السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من خلال ما أشاهد ونسبة لابأ س بها
أب يخصص لأبنائه الذكور مسكن خارج المنزل سواء تزوج أم لم يتزوج فهي له ( دون الإناث) برغم أن ذلك أصبح عادة بين الآباء وهذا ما نراه، إلاّ أننا نقيس على ذلك ( المهر ، تأثيث المسكن ، شراء سيارة ) للذكر
أتذكر مسألة تتعلق به ( فتاة تشكي بإنها تريد شراء شيء معين بالمبلغ الفلاني فأهلها رفضوا هذا الطلب بحجة أنه مبلغ كبير فقارنت هذا المبلغ بثمن السيارة التي أشتراها والدها لأخيها فإذا هو قليل جدا ً )
في مثل هذه الحالات هل يكون الأب مقصر من حيث العدل بين الأولاد ؟ أرجو التوضيح بارك الله فيك

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا .
وبارك الله فيك .
لا يَجوز تفضيل أحد من الأبناء على غيره ، ولا يَجوز أن يُخصّ أحد من الأولاد – الذكور والإناث – بأعطية دون الآخرين ، لقوله صلى الله عليه وسلم : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم . رواه البخاري ومسلم .
والولَد يشمل الذكر والأنثى ، وإذا أعطى أحد الوالِدين أولاده عطية وَجب عليه أن يُعطي بقية أولاده ، فيُعطي الإناث نصف ما يُعطي الذُّكُور .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد رضي الله عنه حينما أعطى ابنه النعمان : أفعلت هذا بِوَلدك كلهم ؟ قال : لا . قال : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية أنه قال له : يا بشير ألك ولد سوى هذا ؟ قال : نعم . فقال : أكلهم وَهبت له مثل هذا ؟ قال : لا . قال : فلا تشهدني إذاً ، فإني لا أشهد على جَور . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن قدامة : وَلا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِ التَّسْوِيَةِ ، وَكَرَاهَةِ التَّفْضِيلِ . قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُسَوُّوا بَيْنَهُمْ حَتَّى فِي الْقُبَلِ . إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَالتَّسْوِيَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ أَنْ يُقَسِّمَ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ قِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْمِيرَاثَ ، فَيَجْعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ .
وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَشُرَيْحٌ، وَإِسْحَاقُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. قَالَ شُرَيْحٌ لِرَجُلٍ قَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ وَلَدِهِ: اُرْدُدْهُمْ إلَى سِهَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَرَائِضِه ِ. وَقَالَ عَطَاءٌ : مَا كَانُوا يُقَسِّمُونَ إلاَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ : تُعْطَى الأُنْثَى مِثْلُ مَا يُعْطَى الذَّكَرُ ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ : " سَوِّ بَيْنَهُمْ ". وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : أَيَسُرُّك أَنْ يَسْتَوُوا فِي بِرِّك؟ قَالَ : نَعَمْ. قَالَ: فَسَوِّ بَيْنَهُمْ . وَالْبِنْتُ كَالابْنِ فِي اسْتِحْقَاقِ بِرِّهَا، وَكَذَلِكَ فِي عَطِيَّتِهَا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سَوُّوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ، وَلَوْ كُنْت مُؤْثِرًا لأَحَدٍ لآثَرْتُ النِّسَاءَ عَلَى الرِّجَالِ . رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي " سُنَنِهِ ". وَلأَنَّهَا عَطِيَّةٌ فِي الْحَيَاةِ، فَاسْتَوَى فِيهَا الذَّكَرُ وَالأُنْثَى، كَالنَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ .
وَلَنَا أَنَّ اللَّهِ تَعَالَى قَسَّمَ بَيْنَهُمْ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ، وَأَوْلَى مَا اقْتَدَى بِقِسْمَةِ اللَّهِ ، وَلأَنَّ الْعَطِيَّةَ فِي الْحَيَاةِ أَحَدُ حَالَيْ الْعَطِيَّةِ ، فَيُجْعَلُ لِلذَّكَرِ مِنْهَا مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ، كَحَالَةِ الْمَوْتِ . يَعْنِي الْمِيرَاثَ ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعَطِيَّةَ اسْتِعْجَالٌ لِمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى حَسَبِهِ، كَمَا أَنَّ مُعَجِّلَ الزَّكَاةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا يُؤَدِّيهَا عَلَى صِفَةِ أَدَائِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا، وَكَذَلِكَ الْكَفَّارَاتُ الْمُعَجَّلَةُ، وَلِأَنَّ الذَّكَرَ أَحْوَجُ مِنْ الْأُنْثَى، مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمَا إذَا تَزَوَّجَا جَمِيعًا فَالصَّدَاقُ وَالنَّفَقَةُ وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى الذَّكَرِ، وَالأُنْثَى لَهَا ذَلِكَ، فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّفْضِيلِ ؛ لِزِيَادَةِ حَاجَتِهِ ، وَقَدْ قَسَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمِيرَاثَ ، فَفَضَّلَ الذَّكَرَ مَقْرُونًا بِهَذَا الْمَعْنَى فَتُعَلَّلُ بِهِ ، وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْعَطِيَّةِ فِي الْحَيَاةِ . اهـ .
وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية : عن امرأة لها أولاد غير أشقاء فخَصّصت أحد الأولاد وتصدذقت عليه بِحصة من ملكها دون بقية إخوته ثم توفيت المذكورة وهي مقيمة بالمكان المتصدق به . فهل تصح الصدقة أم لا ؟
فأجاب :
الحمد لله ، إذا لم يقبضها حتى ماتت بَطَلَت الهبة في المشهور من مذهب الأئمة الأربعة . وإن أقبضته إياه لم يَجُز على الصحيح أن يختص به الموهوب له ؛ بل يكون مشتركا بينه وبين إخوته . اهـ .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة : الواجب عليكم أن تجعلوا للذَّكر مثل حظ الأنثيين ، كالإرث في أصح قولي العلماء ؛ لأن هذه القسمة هي التي رضيها الله -سبحانه- لهم في الإرث، والعطية مثل ذلك . اهـ .
وكان شيخنا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يُنبِّـه على هذه المسألة ، وكان رحمه الله يَرى أن السيارة ليست ضرورة بالنسبة للأبناء ، فإذا ما أراد الأب أن يُعطي أحد أبنائه سيارة فليجعل السيارة باسمه هو (أي : باسْم الأب) ، ولا يجعلها باسْم الابن حتى لا يتملّكها مِلكا تاما .
ويرى شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله أن البنت تُعطى نصف ما يُعطاه الابن ، حيث قال رحمه الله في نصيحة بهذا الخصوص : يجب أن يَعْدل بينهم ، ولا يُفَضِّل بعضهم على بعض في العطية ، ولا يوصي لبعضهم دون بعض ؛ بل كلهم سواء في الميراث والعطية على حسب ما جاء به الشرع من الميراث ، والعطية ، يعدل بينهم كما جاء في الشرع فللرجل مثل حظ الأنثيين ، فإذا أعطى الرجل من أولاده ألفا يعطي المرأة خمسمائة ، وإذا كانوا مرشدين وتسامحوا ، وقالوا : أعط أخانا كذا ، وسمحوا سماحا واضحا . فإذا قالوا : نسمح أن تعطيه سيارة أو تعطيه كذا . . ويظهر له أن سماحهم حقيقة ليس مجاملة ولا خوفا منه ، فلا بأس .
والمقصود أن يتحرى العدل إلاَّ إذا كان الأولاد مرشدين سواء ، أكانوا ذكورا أو إناثا وسمحوا لبعضهم أن يعطوا شيئا لأسباب خاصة ، فلا بأس ، فالحق لهم .
والكلام الذي يُوجَّه إلى الآباء يُوجّه إلى الأمهات أيضا .
قال ابن قدامة : وَالأُمُّ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الأَوْلادِ كَالأَبِ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اتَّقُوا اللَّهِ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ . اهـ .
وهنا :
زوجي يفرّق بين الإناث والذكور فماذا أفعل ؟
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=19763
والله أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم