يبدو أن موضوع النقاش قد أخذ اتجاها أكثر عمقا و رصانة عندما دخل كطرف فيه الأخ الشيخ عبدالرحمن السحيم . وأنا لا أعرف هذا الشيخ ، إلا أنه على ما يبدو أحد المتخصصين السلفيين ، والذين بطرحهم يطرحون منهجاً وليس وجهة نظر شخصية ..
لذلك وجدت أن من الضرورة أن أبين له ما قد يَخفاه عني ، وعن رؤيتي ، وفكري ، وقناعتي التي استقيتها من قراءات ونقاشات وتحليلات مستفيضة ، وصلت من خلالها إلى تكوين هذه الرؤية ... ورغم قناعتي التامة بها كمضمون حتى الآن ، إلا أنني أجد من الحصافة و الواقعية و الموضوعية أن أقول ، وبمنتهى الشجاعة ، أنني على استعداد لتغييرها متى ما وصلت إلى ما ينقضها حسب معاييري و قناعتي ، لا لمجرد الإتباع الأعمى للأسلاف ، دون أن يدعم المطالبة بإتباع السلف ما يُبرر منطقياً و عقلياً إتباعهم ، على الأقل بالنسبة لي . وهذا مربط القضية ، وبيت القصيد من القضية برمتها.
وبعد ما تقدم أقول : فكري و منهجي كما أبين دائما يقوم على الآتي :
الإسلام فرعان كبيران : دينٌ و دنيا . فمثلَ ما نزلَ الوحي على محمد عليه الصلاة و السلام لـُيبين و ينظم علاقة الإنسان بربه "دينياً" ، فقد نزلَ الوحي بنفس القوة و الأهمية و الموازاة أيضاً كمنهج " حياة " . والفصل بين هذين الفرعين فصلٌ ممتنع ، أي أنه يقود في حالة الإصرار عليه إلى نسف الإسلام بالكلية ، أي إلى الكفر البواح .
والفرع الأول : الدين . هو كل ما شرعه الإسلام لنا من عقائد إيمانية ، و ممارسات تعبدية ، وأحكاماً ، لا تتغير بتغير الزمان و المكان وليس لاختلاف ظروفهما بين الحين و الآخر ، أو البقعة و البقعة ، انعكاسات موضوعية على هذه الأحكام . مثل ما جرى تحديده فيما يُعرف بـ " أركان الإسلام " ، إضافة إلى أي حكم من الأحكام التي لا علاقة لها بتغيرات الظروف الزمانية و المكانية ، كأحكام الإرث مثلاً لا حصراً . ويدخل في هذا المضمون ، بل يأتي على رأسه ، مسألة " إخلاص توجيه العبادة إلى الله وحده دون سواه " . لذلك ، يمكن القول هنا ، وبمنتهى الدقة ، أنني في قضايا العبادة "سلفي" ، سواء في توحيد الربوبية ، أو الإلهية ، أو في أسماء الله و صفاته . ولا أختلف مع الطرح السلفي فيما له علاقة بالتوحيد قيد أنملة . بل أجد أن "التوحيد" الخالص من كل أنواع الشرك ، كبيره و صغيره على السواء ، هو تحرير للبشرية من تسلط البشر على البشر، و تكريس للمساواة بين بني آدم ؛ فكلنا في النهاية متساوون أمام الله سبحانه وتعالى ، ليس لأحد ُقربة إلا بما عمل . ومن هنا تنطلق عظمة التوحيد في الإسلام ، ليس في شقه الديني فحسب ، وإنما في أبعاده و مدلولاته الدنيوية أيضاً . وهذا ما يؤكد أن شرط "التميز" في الإسلام هو العمل ، وليس الدم أو الإثنية أو القومية أو النسب ؛ فطالما أنه "إنسان " فله الحق كل الحق في التميز إذا عملَ له ، لا يسبقه في ذلك لا ملك متوج أو راعي غنم ، أو أبيض أو أسود .. ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ..
الفرع الثاني : الدنيا . وهي تلك الأحكام و التشريعات التي أقرها الإسلام ، أو انتسبت أو نُسبت إليه ، والتي تنظم علاقة الفرد بمجتمعه ، وعلاقة الفرد بالآخر، وُتحدد بذلك كيفية بناء المجتمع ليكون مطابقاً و مواكباً لشروط الإسلام في شقها ، أو فرعها ، الدنيوي . وهذا ما أجد أنني على اختلاف تام مع الفكر السلفي فيه ؛ وهذا الاختلاف لا يقف عند حد النتائج ، وإنما يمتد إلى الاختلاف على مدى صوابية آلية "الشروط" التي ينتهجها السلفيون في معاييرها على تحقيق الهدف المنشود أو الغاية المتوخاة من هذه الآلية ..
بعد هذه المقدمة التي وجدت أن من الضرورة العلمية البدء بها ، كي لا ينحرف الحوار عن مساره ، أعود إلى مداخلة الشيخ السحيم . والتي كانت خاصة بالمرأة ، ومدى إجحافها من عدمه في أدبيات و آراء الفكر السلفي . وهي وجهة نظر لي حملها مقال نشرته في أكثر من منتدى و دار حوله نقاشٌ و جدل كبيرين . وأولُ ما أريد أن أوضحه في هذا السياق أنني لا ُأحملُ مسؤولية " إهانة" المرأة الإسلام ، حاشا و كلا ، وابرأ إلى الله أن أقول ذلك . وإنما أحمل المسؤولية كاملة الفكر السلفي على وجه التحديد . ونحن نعلم منهجياً أن " السلفية " هي تيار ضمن تيارات أخرى ، وهي مدرسة ضمن مدارس أخرى ، والقول أن ما تراه هذه المدرسة ، أو ما يرجحه هذا الاتجاه ، هو الإسلام ، وأن من يختلف مع الطرح السلفي هو يختلفُ مع الإسلام ككل ، هو قولٌ يختلفُ أول ما يختلف مع الإسلام نفسه ، الذي فتح باب الاجتهاد للسلف و الخلف على السواء إلى أن تقوم الساعة . والسلف و الخلف رجالٌ غير منزهين عن الخطأ ، و ما يترتب على هذه الأخطاء المحتملة من إفرازات لا يمكن أن نتجاوزها في أي حوار موضوعي و هادف ..
الشيخ السحيم بدء رده علي باستعراض إكرام الإسلام للمرأة ، ورفع شأنها ، بقوله في مداخلته : (( المرأة في الإسلام شقيقة الرجل ، وبهذا نطق الصادق المصدوق صلى الله عليه على آلـه وسلم حيث قال : النساء شقائق الرجال والمرأة في المجتمع السعودي لا تُعتبر كائناً من الدرجة الثانية إلا عند المتكبرين ، أو الرعاع، وهذا لا يُحسب على توجه بأكمله فالمرأة تُعامل سواء في التملّك أو في البيع والشراء أو في المحاكم وفق شرع الله . )) ... ثم ذهبَ حفظه الله "يستفزع" بأقوال بعض الكتاب الغربيين التي كانت آراؤهم تنتقد أوضاع المرأة في الغرب ، وتشيد بقيمتها في الإسلام .
كل ما ذكره الشيخ ، حاشا ما ساقه من أقوال غربيين ، هو عين الصواب ، ونوافقه عليه ، بل لو أراد الزيادة لأتينا له بأضعاف ما أورد . غير أن ما ذهب إليه الشيخ ، من زاوية أخرى ، هو ما يؤكد حقيقة أن الإسلام في توجهاته و أساسياته ، هو دينٌ حق ، لا يمكن أن تكتنف تعليماته ، أو مراميه ، أو منهجه ، ما يمكن أن يمس المرأة كعنصر ، ولا أن ينتقص من حقوقها كإنسان، ولا أن يعتبرها عوجاء لمجرد أنثويتها ، فضلاً عن أن يساوي بينها وبين الكلاب . وهو ما تحمله إلينا الكثير من تلك "الأحاديث الأحادية " التي يعتبرها الشيخ أساً لا يمكن رفضه من أسس الإسلام . ولن أقف كثيراً لضيق المساحة عند تبريراته التي تفتقد للمنطق في أسباب هذه المساواة المشينة التي تضمنتها تلك الرواية ، والتي لم أرفضها أنا فحسب وإنما أمتد هذا الرفض إلى "عائشة " رضي الله عنها ، والتي هي من حيث القيمة و المكانة والعلم ، كما تنص أحاديث الآحاد نفسها، أهم من راوي الحديث . وإنما سأذهب إلى أبعد من ذلك وأقول : حتى ولو قبلنا "تبريرات" الشيخ و تخريجاته لهذا الحديث ، جدلاً ، فماذا نفعل بعشرات من الأحاديث الأخرى التي تنحى نفس المنحى ، وتنطلق من هذا المنطلق ، والتي تفوحُ عباراتها و مدلولاتها بتحقير المرأة والحط من شأنها . خذ مثلاً :
عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( الشؤم في ثلاثة في المرأة والمسكن والدابة )) .. سنن الترمذي رقم 2749 .
عن ابن عباس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي المرأة والمملوك من المغنم دون ما يصيب الجيش . ) . مسند أحمد رقم 3127 .
عن نعيم بن قعنب : (خرجت إلى الربذة فإذا أبو ذر قد جاء فكلم زوجته في شيء فكأنها ردت عليه وعاد فعادت فقال ما تزدن على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المرأة كالضلع فإن ثنيتها انكسرت وفيها بلغة وأود ) . مسند أحمد رقم 20481
أخبرنا أبو زيد سعيد بن الربيع حدثنا شعبة عن الحكم قال سمعت ذرا عن وائل بن مهانة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للنساء : ( تصدقن فإنكن أكثر أهل النار فقالت امرأة ليست من علية النساء لم أو بم أو فيم قال إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير ) سنن الدارمي رقم 989
عن عمران بن حصين : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلعت في النار فرأيت أكثر أهله النساء واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ) . سنن الترمذي رقم 2528
ولا يمكن قبول هذه الأحاديث الأحادية ولا تصديقها ، ولا قبول مدلولاتها قبولاً مطلقاً بحال من الأحوال ، لأنها تختلف أول ما تختلف مع توجهات الإسلام ، ومع مبادئ الإنسانية ، وكون المرأة في الإسلام إنساناً مكلفاً لها من الحسنات ما للرجال ، وعليها من العقاب ، إذا مادت عن الصواب ، ما على الرجال . ونحن عندما نرفض هذه الأحاديث فنحن لا نرفض الإسلام ، ولا ندعي أن الرسول عليه الصلاة و السلام ، يكذب أو هو يذل المرأة ، إنما نقول كما قال الإمام أبو حنيفة : ( أُكذِّب هؤلاء ، ولا يكون تكذيبي لهؤلاء ، وردِّي عليهم، تكذيباً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، إنّما يكون التكذيب لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقول الرجل: أنا مكذب لقول نبي اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) . فأما إذا قال الرجل: أنا موَمن بكلّ شيء تكلّم به النبي ، غير أنّ النبي لا يتكلم بالجور ولا يخالف القرآن، فانّ هذا القول منه هو التصديق بالنبي وبالقرآن وتنزيه له من الخلاف على القرآن، ولو خالف النبي القرآن وتقوّل على اللّه بغير الحقّ، لم يدعه اللّه حتى يأخذه باليمين ويقطع منه الوتين. ) العالم والمتعلم . ص 100
وكما تعترف أحاديث الآحاد نفسها ، أن ثمة من يكذبون من الصحابة في الأحاديث ، بحسن نية ، ودفاعاً في رأيهم عن الإسلام ، واحتساباً للأجر . فقد أخرج مسلم في صحيحه، عن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، عن أبيه، قال: ( لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث ). وجاء عن القرطبي في التذكار ص : ما نصه لا التفات لما وضعه الواضعون ، واختلقه المختلقون ، من الأحاديث الكاذبة والاَخبار الباطلة في فضل سور القرآن ، وغير ذلك من فضائل الاَعمال . وقد ارتكبها جماعة كثيرة فوضعوا الحديث حسبة كما زعموا، يدعون الناس إلى فضائل الاَعمال، كما روي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي، ومحمد بن عكاشة الكرماني، وأحمد بن عبد اللّه الجويباري وغيرهم، قيل لاَبي عصمة: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة؟ فقال: إنّي رأيت الناس أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة ) ..
هذا من جهة . ومن جهة أخرى فلا يمكننا أن نقبل أحاديث الآحاد لأسباب عقلية محضة . لأن قبولنا لها ، واعتبارها من حيث الإلزام في درجة القرآن ، وما تواتر من السنة ، كما يزعم السلفيون ، يتناقض مع القرآن نفسه ، وضرورة إبلاغ الوحي التشريعي الملقاة مسئوليته على كاهل النبي لتحقيقه . فإذا قبلنا بمنطق أن من الجائز أن يخص الرسول واحداً أو اثنين من الصحابة بحكم من الأحكام دون بقية الصحابة ، معنى ذلك أنه لم يقم عليه الصلاة و السلام بتحقيق شرط البلاغ للناس كافة . ولك أن تتصور لو أن رئيس دولة ، أو حكومة ، قام بإصدار نظاماً تشريعياً ، ولم يبلغه إلا لواحد أو اثنين أو ثلاثة من خاصته ، وقام أحد الأفراد بمخالفة هذا النظام ، فعلى من تقع المسؤولية : على من أصدر النظام ولم يبلغه للناس أم على من اقترف المخالفة ؟ .
ويؤكد عدم احتمال أن تكون هذه الأحاديث لها مرجعية تشريعية ملزمة ، نهي الرسول عن التدوين ، وكذلك عمر ، وبقاء هذه الأحاديث خارج اهتمام الكتابة أو التجميع حتى عهد عمر بن عبد العزيز كما هو معروف . يقول الإمام السيوطي : ( في سنة ثلاث وأربعين ومائة هـ شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه، والتفسير، فصنف ابن جريج بمكة، ومالك الموطأ بالمدينة، والأوزاعي بالشام، وابن أبي عروبة، وحماد بن سلمة وغيرهم بالبصرة، ومعمر باليمن، وسفيان الثوري بالكوفة، وصنف ابن إسحاق المغازي، وصنف أبو حنيفة رحمه الله الفقه والرأي، ثم بعد يسير صنف هُشَيم، والليث، وابن لهيعة، ثم ابن المبارك، وأبو يوسف، وابن وهب، وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودونت كتب العربية، واللغة، والتاريخ وأيام الناس، وقبل هذا العصر كان أئمة يتكلمون من حفظهم، أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة ). (السيوطي، ص 301)... صحيح أن هناك روايات أخرى تقول أن ثمة نفر من الصحابة كانوا يدونون ، إلا أن مدوناتهم كانت ممارسات فردية خاصة لهم ، فلم تنقل بالنسخ ، ولم يذكر لنا التاريخ سماحهم بنسخها أو تداولها ، وهذا هو المهم لا مجرد الكتابة ..
الأمر الآخر أن الرسول قد تنبه إلى ذلك ، كما جاء في أحد أحاديث الآحاد أيضاً على اعتبار صحتها ، فقد نص فقد نص أحد الأحاديث بوضوح على ضرورة التفريق بين صفته البشرية ، وبين صفته التشريعية كرسول . جاء في صحيح مسلم رقم 4356 : ( عن موسى بن طلحة عن أبيه قال : مـررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رءوس النخل فقال ما يصنع هؤلاء فقالوا يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح فقال رسول الله صلى الله عليه وسـلم مــا أظن يغني ذلك شيئا قال فأخبروا بذلك فتركوه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فإني إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن ) . وهذا في منتهى الدلالة على ما نحن بصدده .
كل هذه الأسباب التي استعرضتها ، لا يمكن بحال تجاوزها علمياً و منطقياً عندما نتعامل مع هذا الكم الهائل الموروث من هذه الروايات ، الأمر الذي يجب أن نتعامل معها من جديد باتجاهين :
الاتجاه الأول : بإعادة تصحيحها ، وعرضها على القرآن من حيث مقاصده و أهدافه البعيدة ، وكذلك على ما تواتر من السنة ، وأخيراً على العقل ، ومبادئ العدل و الإنصاف ، والذوق و الصحة العامة . فما واكب هذه الشروط قبلناه ، وما تناقض معها رفضناه ..
الاتجاه الثاني : أن نعتبر كل أحاديث الرسول التي وردت إلينا من خلال الآحاد ، والتي ثبتت صحتها حسب ما جاء في الاتجاه الثاني سالفاً ، بمثابة الوسيلة لنا في للتأسي به صلى الله عليه وسلم . تحقيقاً لقوله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) . والتأسي ليس واجباً و إنما مستحباً في أمور الدنيا تحديداً ، وهي التي تتغير بتغير الزمان والمكان و الظروف . وهو ما اختاره الإمام القرطبي في تفسره لهذه الآية تحديداً ، عندما قال بالنص : ( واختلف في هذه الأسوة بالرسول عليه السلام , هل هي على الإيجاب أو على الاستحباب ; على قولين : أحدهما : على الإيجاب حتى يقوم دليل على الاستحباب . الثاني : على الاستحباب حتى يقوم دليل على الإيجاب . ويحتمل أن يحمل على الإيجاب في أمور الدين , وعلى الاستحباب في أمور الدنيا . ) ..
ولا يمكن أن نفرق بين الأمور التي فعلها الرسول كتشريع ، وتلك التي لم يقم بها كمشرع ، كما في حديث النخل الآنف الذكر ، إلا إذا فرقنا بين الرسول بصفاته الثلاث : هنا لا بد من التفريق بين شخصياته ، عليه الصلاة و السلام ، الثلاث : " الإنسانية " ، " الرسولية " ، " النبوية " .. فمحمد " الرسول " هو مشرع لنا، واجبٌ علينا قسرياً ، إتباع أوامره واجتناب نواهيه ، بما يُحققُ على أرض الواقع مقاصده و مراميه وغايات رسالته . ومحمد أيضاً "نبياً " يُخبرنا بما نبأه الله به ، كأخبار الأمم السابقة ، وقصص الرسل ، والحوارات و النقاشات التي دارت بين شخصيات التاريخ السابق على البعثة . وهو في النهاية " إنسان " . يجوع فيأكل ، ويضما فيشرب ، وينوم و يقوم ، وُمعرضٌ للمرض ، ويتعامل مع الناس حسب عاداتهم و تقاليدهم في زمانه ، وله ذوق خاص في الأكل و الملبس و المشرب ، ويتجــولُ في الأسـواق ، ويضحك و يغضب ، ويرتدي ما يرتدي قومه من اللباس ، ويسمح و يعبس ، ويظن ويخطئ كما في الحديث ، وفي النهاية يموت .. فالذي نحن ملزمون به تشريعياً ما قاله وفعله كرسول ، وليس كإنسان ، بينما يرى اصحاب الإتجاه السلفي أننا ملزمون بكل أفعاله و أقواله إلتزام وجوب حتى وإن كان مارسها بصفته الإنسانية .
هذا من حيث اعتراضي على منهج ومعايير الاتجاه السلفي ، والتي بينت في ما سبق عدم منطقها ، وتناقضها، وضعفها كآلية للتشريع . بل لا يمكن منطقياً أن ترتقي إلى مستوى التشريع ، وهي في أحسن الحالات صالحة للتأسي ليس إلا ..
أعود في ما تبقى من فرصة لحديث الشيخ في رده عن المرأة . وجوابه يفيض و يتسع عن المجال الذي يوفره هذا المنتدى . غير أن هناك سؤالٌ أريد منه حفظه الله أن يجيبني عليه ومؤداه : ((( العالم من أقصاه إلى أقصاه تعمل فيه المرأة , وعدم عملها يعني زيادة في أعداد البطالة ، التي من شأنها اجتماعيا توسيع دائرة الفقر . فهل من المنطق و الموضوعية و العلمية أن تحرضون على زيادة نسب البطالة من خلال إصراركم على إبقاء المرأة في البيت دونما عمل خشية من الاختلاط ؟ . وعدم قيادة المرأة للسيارة هي عائقٌ لحركتها ، وتقييد لها ، فضلاً عن ما يكتنف عدم قيادتها تلك ، من أن تعتمد على سيارات الأجرة في حركتها ، أو أن تدفع تكاليف مالية للسائقين . فلماذا تفكرون في الأمور المباشرة و السطحية ، ولا تهتمون بالأبعاد الاقتصادية التي لا بد وأن يكون لتبعاتها المستقبلية منزلقات أخلاقية هي أشد خطراً بكل تأكيد ، فالمرأة التي تضيق عليها فرص العمل، وتمنع من الحركة ، لابد وأن ينعكس ذلك سلبياً على أخلاقياتها ، وليس صحيحاً البتة أن الحرة تموت و لا تكتسب بأثدائها ..
وعندما نقرأ تاريخنا القريب و البعيد على السواء ، نجد أن المرأة خلال كل العصور الإسلامية كانت مشاركة رئيسية في عملية الإنتاج الاقتصادي بشتى أشكاله آنذاك . كانت تبيع و تتاجر في الأسواق بنفسها مباشرة ، وكانت تعمل في الزراعة ، وكانت ترعى الغنم ، وكانت تمارس بعض المهن و الحرف المتخصصة الاقتصادية في المجتمع ، ولم يقل واحدٌ من علماء المسلمين بحرمة ذلك ، حتى أتيتم ورفعتم شعار " منع الاختلاط و توسعتم فيه ، وتشددتم في تطبيقها ، وخلطتم عاداتكم و أعرافكم وتقاليدكم و رؤاكم الذاتية بالإسلام ، ولويتم أعناق نصوصه ، وأقوال علمائه ، للتوافق مع أهوائكم لا مع دينكم ..
وتأكد شيخي الفاضل ، أن الحقائق الإقتصادية ، المعتمدة على التجربة و البرهان ، والذي أثبت الواقع صحتها ، ستتغلب في النهاية ، تماماً كما تغلبت على أسلافكم الذين رأوا قبل قرابة الأربعين عاماً أن تعليم المرأة و فتح المدارس لها سيسعى بالمجتمع إلى الفساد . و لا أحتاج إلى إثبات أنكم بممارساتكم لنهب حقوق المرأة ، تنفيذاً لشكوك و إرهاصات نفسية هي بالتأكيد غير سوية ، سيكرر خطأكم ذاك ، ويعيد إليكم الإحراج الذي ما زلتم تعانون منه حينما أقمتم عاصفة هوجاء في منتصف الثمانينات هجرية على تعليم المرأة ، واعتبار فتح المدارس لتعليمها خروجاً على أخلاقيات السلف فيما يخص المرأة ..
وقبل أن أختم أقول : أن إستخدامي في الرد عليكم الأحاديث الأحادية ، رغم عدم قبولي بها ، يستند إلى قاعدة أقرها المنطقيون في الجدل المنطقي ، والتي تتيح للمجادل الرد على خصمه بالأدلة راجحة اليقين لدى خصمه ، حتى وإن كانت غير ذلك بالنسبة إليه . إنها نفس المقولة التي تقول : من فمك أدينك . ولأان الشيخ حفظه الله يُحرم المنطق ، ولا يراه أداة إقناع ، وسيلق حجة ، فهو يجهل مثل هذه القواعد ، فرآها تناقضاً رغم أنها غير ذلك .
انتهى كلامه .
=========
أسأل الله الهداية لهذا الكاتب إن كان أهلاً لها
لئن أجهل قواعد المنطق خير لي من أن أجهل قواعد الاستدلال بالكتاب والسنة
فالأولى جهلها لا يضر ، والثانية جهلها قد يَصِل إلى حَدّ الكفر ، إذ القول على الله بِغير عِلْم قَرِين الشرك .
ومن ناحية ثانية أنا استدللت عليك بما أراه مُسَلَّمًا عندك - في ظني - وهو وضع المرأة في الغرب بما حوى !
أولاً : كون الكاتب يستدلّ بِحديث مَوضوع فهذه طامة كبرى !
وليس هذا يتماشى مع قواعد العقل أو المنطق أو الدِّين !
فليس الحديث الضعيف بِمُسَلّم به حتى يُسلّم لك الاستدلال بالحديث الموضوع !
ثم إنك لم تَكْتفِ أيضا بالاستدلال بالأحاديث الأحادية فانتقلت لتستدلّ بالآثار !
وأنت لم تكتفِ بالاستدلال بالأحاديث الأحادية التي هي عند خصمك حجة ، وإنما استدللت بحديث موضوع يدلّ على جهل بهذا العلم الشريف ، أعني علم الحديث .
ومما يدلّ على ذلك بالإضافة إلى ما تقدّم أنك لا تُحسن العزو
فالأثر الذي أوردته عن يحيى بن سعيد القطان لا يصح أن يُقال ( رواه مسلم في صحيحه ) هكذا مُطلقاً ، بل لا بُـدّ من تقييده بالمقدمة ، كما هو معلوم عند أهل هذا الفن !
كما لا يصحّ أن نقول عن حديث علقه البخاري : رواه البخاري . هكذا ونسكت ، بل لا بُـدّ أن يُنصّ على نوعية الرواية .
ثانياً : أنت تأخذ من الرواية ما يحلو لك أو يوافق هواك وتترك الباقي .
فأنت عندما نقلت قول يحيى بن سعيد ، سبقت ذلك بقولك : (( أن ثمة من يكذبون من الصحابة في الأحاديث ، بحسن نية ، ودفاعاً في رأيهم عن الإسلام ، واحتساباً للأجر ))
وأغفلت قول مسلم في الموضع نفسه حيث قال في المقدمة : قال مسلم : يقول يجري الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب .
كما أنك أقحمت الصحابة - رضي الله عنهم - إقحاما ، نتيجة فَهْم فهمته أنت ، أو هوى في النفس !
وإلاَّّ فإن الصحابة - رضي الله عنهم - عند أهل الإسلام عُدول ثِقات بِتعديل الله لهم .
وثناء الله عليهم في كتابه مشهور ، وفي السنة معلوم . و لا يُعْرَف فيهم ولا عنهم الكذب ، ولا نُسِب أحد منهم إلى الكذب إلا عند أعداء الدّين والعقل ، أعني : الرافضة ، وعند الزنادقة .
إلى أن نشأت فرق الضلال من الرافضة والخوارج فأخذوا يَطعنون بأصحاب النبي صلى الله عليه على آله وسلم !
إلا إن كنت ترى أن ( أبا عصمة نوح بن أبي مريم المروزي ، ومحمد بن عكاشة الكرماني ، وأحمد بن عبد اللّه الجويباري ) أنهم من الصحابة ؟!!
ولازلت أُطالبك بالبيّـنة على قولك : (( وكما تعترف أحاديث الآحاد نفسها ، أن ثمة من يكذبون من الصحابة في الأحاديث ))
ولماذا أقحمت الصحابة رغم أن الروايات التي ذكرت عمن بعدهم ؟
والكذب والوضع في الأحاديث لم يكن في الصدر الأول أبدًا .
ثالثاً : مسألة قبول أخبار الآحاد ليس هو قول ( السلفيين ) كما زعمت بل هو قول أهل السنة والجماعة ، وهو قول السواد الأعظم من الأمة .
وهو دِين وعقيدة ، ليس لدى السلفيين فحسب .
ولكن لَمّا نشأت الفرق الضالة كالرافضة والمعتزلة ومَن نَحا نحوهم وسار بسيرهم ولم تنسجِم مع عقولهم المريضة مع الإسلام ، أرادوا هَدْم حصونه مِن الداخل !
فالقرآن مخلوق !
والسنة أخبار آحاد !
وليت شعري : ما هو الخبر المقبول عندك ؟؟؟
وما مقاييس قبول الأخبار ؟؟
وما هو المتواتر ؟؟
وهل هو من المقبول عندك ؟؟
وهل القرآن قطعي الثبوت عندك أم ( أستغفر الله ) ؟؟؟
رابعاً : لم أرَ إجابة فيما يتعلق بِرَدِّي السابق ، حيث تساءلت غير مرة :
هل أنت تريد نقد المجتمع السعودي ؟
أو تريد نقد الاتجاه السلفي ؟
أو تريد نقد الإسلام ؟
فحدد ما تريد أولاً ثم ناقش - إن كنت تعرف الطرق المنطقية - ومنك نستفيد !
خامساً : قول الكاتب :
(( ولك أن تتصور لو أن رئيس دولة ، أو حكومة ، قام بإصدار نظاماً تشريعياً ، ولم يبلغه إلا لواحد أو اثنين أو ثلاثة من خاصته ، وقام أحد الأفراد بمخالفة هذا النظام ، فعلى من تقع المسؤولية : على من أصدر النظام ولم يبلغه للناس أم على من اقترف المخالفة ؟ ))
هل ينطبق هذا عندك على الرُّسـل الكرام صلوات الله عليهم ؟؟
فإن الله عز وجل أبلغ الناس والأمم عن طريق الرُّسُل !
فكان كل نبي يُبعث إلى قومه ، وهو شخص واحد ! بل بُعث خاتمهم عليه الصلاة والسلام إلى الناس كافة !
إلا ما كان من موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام ، وإن كان موسى عليه الصلاة والسلام بُعث ابتداء لوحده .
فهل قامت الحجة برسول واحد يُقيم الحجة على الناس ويدعوهم إلى الله ، ويُبلغهم شرع الله ؟؟؟؟؟
يُقال في هذا مثل ما يُقال في أحاديث الآحاد تماما !!!
تصوّر أن الله يبعث العدد الكثير من الرسل لأمة من الأمم لتقوم عليهم الحجة حسب قياسك العقليّ !
فقد يأتي من يقول : إن الحجة ما قامت على البشر بِرَسُول واحد !
بل قد يقول قائل - حسب قياسك - أن الحجة ما قامت علينا ، وإن كان القرآن يُتلى علينا لأن الرسول صلى الله عليه على آله وسلم بُعث قبل أكثر من ألف سنة !
ثم هو شخص واحد !
فعلى من تقع مسؤولية مخالفة شـرع الله ؟؟؟؟
أما مَن قبِلَ خبر الآحاد فسوف يقبل ما جاءت به الرسل .
خامساً : في تحكيم العقول بالنصوص .
أنت تَرُدّ نَصًّا ترى أنه انتقص المرأة
وآخر يَقبله لأنه ينظر إلى المرأة بمنظار غربي !
وكنت ذكرت سابقا أنه : (( عقد اجتماع في فرنسا عام 586 م يبحث شأن المرأة وما إذا كانت تعد إنساناً أو لا تـُـعـدّ إنساناً ؟ وبعد النقاش : قرر المجتمعون أن المرأة إنسان ، ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل ))
وهذا لم يكن في نـجْـد !!!
وإنما في قِـبْـلـة (( الليبراليين )) أعني في فرنسا !!!
[[ على فكرة : يوجد في فرنسا خمسة ملايين مسلم لا توجد لهم مقبرة ! ]]
[[ بينما توجد مقابر للكلاب في كعبة (( الليبراليين )) في باريس ]] !!!
عفواً هذا خارج الموضوع !!
ولكنه التكريم الغربي للإنسان !!!
أعود لمسألة تحكيم العقول في النصوص :
إذا أردنا أن نُحَكّم العقول في النصوص قبولاً وردًّا : فأي عقل الذي سوف نَجعله حاكما على عقول الأجيال والآلاف بل الملايين مِن البشر الذين يَقبلون أحاديث الآحاد ؟؟؟
هل هو عقل الْحَدَاثي الْمُحدث ؟؟!
أم عقل العلماني ؟؟
أم عقل الليبرالي ؟؟
أم عقل الصوفي الْمُخَرِّف ؟؟
أم عقل الرافضي ( العَقْل الْمُلْغَى أصلاً ) ؟؟!!
أم عقول المعتزلة ؟! الذين قالوا إن القرآن مَخْلُوق !
بِربّك : عَقْل مَن سَوف نُحَكِّم ؟؟؟
وكذلك مسألة عرض الأحاديث على العقل ، حيث دندن حولها الكاتب أخيرا .
فأنت تقبل حديثا أحاديا بل وآثارا ، بل استشهدت في مقام الاستدلال بِحديث موضوع مكذوب !
وقد يأتي غيرك - أو تأتي أنت - فتفتح كتاب الموضوعات لابن الجوزي وتنقل لنا منه غير حديث الحميراء !!!!!!
سادساً : مسألة التدوين وكتابة الحديث فهذه قد أُشبعت بَحْثًا ، وخُـذ على سبيل المثال :
الحديث والمُحدِّثون للشيخ محمد أبو زهو
دراسات في الحديث النبوي للدكتور مصطفى الأعظمي
أصول التحديث ،
السنة قبل التدوين . كلاهما للدكتور محمد عجاج الخطيب
السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للدكتور مصطفى السباعي
بحوث في تاريخ السنة المشرفة للدكتور أكرم العمري
زوابع في وجه السنة للشيخ صلاح الدين مقبول
وغيرها مما تناول قضية التدوين وكتابة الحديث مما يردّ دعاوى المستشرقين ويَدحض شبههم .
إن أي علم لا بُـدّ أن يُرْجَع فيه لأهل الاختصاص ، وهذا مَحَلّ اتفاق .
ففي الطب لا نذهب للسباك نَستقي منه المعلومة الطبية
وفي الهندسة لا نذهب للإسكافي نطلب منه الرأي الهندسي
وفي الزراعة ، وفي الصناعة ، وفي الاقتصاد ، وغيرها !
فما بال دين الله وكأنه كلأ مباح يَرتع فيه كل أحد ، ويخوض فيه من لا يُحسن الخوض فيه ، ولا تَعلّم علوم الشريعة ، أو درس فنون الحديث وعلم المصطلح .
وأعود لأقول للكاتب :
استدللت بحديث التأبير ( تلقيح النخل ) على بشرية الرسول صلى الله عليه على آله وسلم ، وهذا أمر متفق عليه ، ولكن لا يعني هذا أن بشريته تؤثر على رسالته ؛ لأنه معصوم من الخطأ أو الزلل في التبليغ .
وأتجاوز الأحاديث التي تكلمت عنها ؛ لأني قد أَجبت عنها سَابقا ، فإن كنت لم تـرَه فارجع واقرأ مقالي السابق بشيء من التدبر العقلي !
وحول تساءل الكاتب (( العالم من أقصاه إلى أقصاه تعمل فيه المرأة , وعدم عملها يعني زيادة في أعداد البطالة ، التي من شأنها اجتماعيا توسيع دائرة الفقر ... ))
أقول خُذها مِن أفواه العلم مِن أقصاه إلى أقصاه
وخُذها بلغة الأرقام والحقائق والإحصائيات
( إذ هذه اللغة ليست أحاديث آحاد !!! )
التعليم المخْتَلَط ، وما أدراك ما التعليم المختلط !
كم مِن طالب وقع في الفاحشة مع زميلته بِسببه ؟!
بل ثبت من خلال دراسات أن هناك من أساتذة الجامعات مَن وَقَعوا مع طالباتهم
وأستاذات الجامعات وَقَعْن مع طلابهن !
وأمريكا - الكافرة - تسعى اليوم سعيا حثيثا لِمُحَارَبة الاختلاط ومنعه !
أفَيَكُون هذا تَشـَـدُّدا ؟؟؟؟؟!!
أم أن القوم اكتووا بنيران الاختلاط حتى عافَته نفوسهم ؟؟؟؟؟
وليس هذا في أمريكا فحسب بل حتى في بريطانيا
فقد قامت مجموعة من البريطانيات بجامعة ( أوكسفورد ) بمظاهرة خوفا من السماح بالاختلاط في الكلية !
وجاءت أفضل النتائج من المدارس الدينية ببريطانيا (المدارس الدينية وهي التي تفصل الطلاب عن الطالبات)
ونشرت مجلة الأسرة في أعداد سابقة أن طالبات الـ Miggs College بكاليفورنيا باختلاف أصولهن الاجتماعية قاموا بشن إضراب لرفض الاختلاط ورَبِحْن القضية .
في دراسة أُجْريَت على شريحة من المجتمع الأمريكي تبيّن أن :
80 % يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد .
وما صيحات عقلاء الغرب اليوم لإلغاء الاختلاط إلا أكبر دليل واقعي على خطورة الاختلاط .
فهم لا يُنادون بذلك حرصا على الدين ! ولا تشددا !!! بل حرصا على مجتمعاتهم وحياتهم .
800 ألف امرأة حامل / 400 ألف منهن خارج العلاقات الزوجية من تقرير حكومي بريطاني !!
1528930 حالة إجهاض في الولايات المتحدة خلال سنة واحدة
كل هذا نتيجـــــــة مــــــــــاذا ؟؟؟
أكَان نتيجة القعود في البيوت والقرار فيها ؟؟؟؟
أو نتيجة عدم قيادة المرأة للسيارة ؟؟؟!!!
أو نتيجة عدم عمل المرأة العمل المختلط ؟؟؟
بل نتيجة سيئة مِن نتائج الاختلاط
وجريمة بشعة جَـرّت إليها تلك الدعاوى
عفواً : هذا مِن مجتمعات غربية لا تُؤمن بالله واليوم الآخر !
ولكن ماذا عن المجتمعات العربية
هذا مثال :
دراسة أعدها مركز دراسات المرأة والطفل بالقاهرة على (1472 فتاه وامرأة ) تبيّن أن :
أن النساء العاملات بالقطاع الخاص يتعرضن لمتاعب كبيرة من جانب الرؤساء والزملاء الرجال .
70% تعرضن إلى مضايقات وإهانة في أماكن عملهن
54% من المضايقات تأخذ شكلا جنسيا
30% معاكسة بالألفاظ الجارحة
17% التحرش الجنسي
23% منهن لديهن حالة من الخوف والإحباط والارتباك والخوف بسبب المضايقات وتولد لديهن إحساس بالإهانة والغضب والرغبة في الانتقام والمواجهة
50% رأين أن العمل خارج المنزل أكثر إرهاقا من العمل داخل المنزل
وهذا في السعودية :
دراسة للدكتور / إبراهيم الجوير أستاذ علم اجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية :
35% من الموظفات السعوديات يعملن بدافع الرغبة لتحقيق الذات
34%لشغل أوقات الفراغ
24% للصرف على أسرهن
45% يشعرن بالتقصير تجاه أسرهن
50% يرغبن ترك الوظيفة
67% يشعرن أن العمل يمثل لهن مجهودا مزدوجا أو إضافيا
40% يضطررن إلى ترك أولادهن عند الخادمة
42% يتركن أطفالهن في معية الأهل
18% في دور الحضانة
وهذا لم آتِ به من عندي بل وفق دراسة تَمّت قبل سنتين .
كما أن هذه ليست أسرارا بل نُشِرت في وسائل الإعلام المقروء .
فكم هي المفاسد المترتبة على عمل المرأة وعلى خروجها من بيتها وتركها له ؟؟؟؟؟
وما تُحققه المرأة مِن دَخل هو أقل وأحْقر مِن المكاسب في بَقائها في بيتها حتى في لغة الأرقام ، وفي أقوال الغربيين ، وليس في أقوال السلفيين !!!
ثم إن دور المرأة في مَنْزِلها أثمن من أي عمل .
وهذا ما تؤكده الدراسات الحديثة بالأرقام أيضا ؛ فمن ذلك :
دراسة نشرتها إحدى أكبر شركات التأمين البريطانية على مليون امرأة ووقع الاختيار على أم بَيْت مُتَفَرِّغة فجاءت النتائج المثيرة : إن المرأة المتفرغة للبيت تعمل 19 ساعة في أعمال البيت وهي المربية والممرضة والمسؤول الأول عن إدارة الشؤون المالية للبيت ..
إضافة لذلك - فحسب دراسة بالتقييم المادي البعيد عن العواطف - كانت المرأة المتفرغة للمنزل هي أثمن شيء تمتلكه الأسرة . انتهى .
بل قال أحد علماء الإنجليز : ( من الخطأ الكبير أن يُقال إن الرجل بما يُنفقه من إيراده على الدّار هو العائل الوحيد للأُسـرة ، فالمـرأة تُؤدّي عملاً كذلك ، ولو قُوِّمَتْ الأعمـال التي تَقُومُ بها في الـدّار بالمـال ، لَرَبَا - زاد - أجْرهـا في كثير من الحالات على ما يُنفقه الرجل )
ومعنى هذا أن المرأة إذا خَرَجَت لتعمل خارج بيتها تَرَكت أثمن مما بَحَثت عنه ، ونتج عن ذلك إهمال البيت والأولاد ، كما تُثبت ذلك الأرقام والإحصاءات ، ولا أريد أن أطيل بسردها .
وقد نشَرَتْ الدكتورة " أيدا أيلين " بحثـا بيّنَتْ فيه : أن سبب الأزمات العائلية في أمريكا ، وسِرّ كثرة الجرائم في المجتمع ، هو أن الزوجـة تركت بيتهـا لِتُضاعِف دَخْل الأسرة ، فزاد الدّخل ، وانخفض مستوى الأخلاق !!!
هل هذا ما يُراد بمجتمعاتنا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وعمل المرأة في أكثره تَـرَف لا غير !
وقد نُشِر في إحدى المجلات الألمانية مقالاً جاء فيه :
كانت المرأة الألمانية تُفتّش عن أناقتها .. وتعتني بإنجاب الأطفال وتربيتهم ، إلا أن تغييرا كبيرا طرأ على حياتها اليوم ، فأضحى همّهـا الأول أن تعمل من أجـل كسب المال وجَمْعـِه ، بِغضّ النّظر عن حاجتها إليه أو عدمها ، فكثيرات أولئك اللاتي يعملن مِن أجْـل شِـراء سَيّارة !!
بل لقد قـال أحـد أركـان النهضـة الإنجليزيـة ، وهو "سامويل سمايلس" : إن النظـام الذي يقضي بتشغيل المـرأة في المعامل - مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد - فإن النتيجة كانت هادمـة لبنـاء الحياة المنزلية ، لأنه هاجم هيكـل المنزل ، وقـوّض أركـان الأسـرة ، ومـزّق الـروابط الاجتماعية . انتهى .
فهل هذا يُراد من وراء عمل المرأة ؟؟؟!!!!!
والأرقام والحقائق تطول وتطول ، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق .
من أي منظار تُريدها بالضبط ؟؟؟
من منظور شرعي : الاختلاط مُحَرَّم . ( وسبق سياق بعض أدلة تحريمه ) .
من منظور مادي بحت : ( المرأة المتفرغة للمَنْزِل هي أثمن شيء تمتلكه الأسرة )
و ( المرأة المتفرغة للبيت تعمل 19 ساعة في أعمال البيت وهي المربية والممرضة والمسؤول الأول عن إدارة الشؤون المالية للبيت )
من منظور أخلاقي : ( فَزَاد الدّخل ، وانخفض مستوى الأخلاق !!! )
وقد وضعتُ سابقا رابطا لموضوع سبق أن كتبته بعنوان : أربع أمنيات لأربع نساء غربيات .
يتمنّين لو عادت عجلة الحياة فلم يعملن
يتمنّين العودة إلى ((( الحــريــم ))) كما أسْمَـوه !!!
بل إن دراسة أُجريت على شَريحة مِن ((( الأمريكيات ))) جاء فيها :
نسبة 87% قُـلْـنَ : لو عادت عجلة التاريخ للوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة ، وقَاوَمْنَا اللواتي يَرْفَعن شِعَاراتها .
فماذا نقول عن مطالب الاختلاط والعمل المختلط ، ونحن أهل الإســلام ؟؟؟
هل نقول بلسان ((( الأمريكيات ))) إنها مؤامرة ضد الإسلام ؟؟!!
ولاحظ قول (( الأمريكيات )) : مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة !!!
ليس ضد المرأة فحسب بل ضد الولايات المتحدة !!!
وأما دعوى البطالة فهي مَردودة ، ففي أي مكان تعمل المرأة يَرْجِع مَردود ذلك على الرجل ، فتعمل النساء ، ويُصَاب الرِّجال بالبَطَالة !
فمن سَوف يوظِّف رجلاً ، وهو يجد الفتاة المناسبة ( سكرتيرة ) !!! يتحرّش بها الصبح وآخر النهار !!!
وربما عقد معها اجتماعا مُغلقا قد يمتد إلى ساعات !!!
ونتيجة الاجتماع أحيانا قد تظهر بعد تسعة أشهر !!!
هذا ما يُريده الشهوانيون !!!
وأما قولك : (( وليس صحيحاً البتة أن الحرة تموت و لا تكتسب بأثدائها ))
هذا بمنظورك أنت وحدك !!!
أما أهل الغيرة من الرجال والنساء فيأبون ذلك .
بل يموت الْحُـرّ جوعا ولا يستجدي الناس !
وتموت الْحُـرّة ولا تأكل بثدييها !
بل إن هذه العبارة (تموت الْحُـرّة ولا تأكل بثدييها) إنما قِيلت عن الرضاعة !
قال الطيبي : الجوع ليس مقصودا لِعَينه ، ولكن لكونه مانِعًا مِن الرضاع بأُجْرَة ، إذ كانوا يكرهون ذلك أنفا . اهـ .
ولأن تلقى ربها وهي قد ماتت جوعا ، خير له مِن أن تَلْقَاه فاجرة .
إلا إذا كان تحريم الزنا لم يثبت عندك ؟؟!!!!
لا أدري ربما يكون عندك خبر آحاد رغم أنه في كتاب الله !!!!
وأما زعم الكاتب أن رفع شعار " منع الاختلاط " جئنا به نحن ، فهذه دعوى لا تثبت على قدم ! ولا يشهد لها عقل ولا نصّ !
فها أنت ترى أن الغرب بل وبعض بلاد العُرب أصبحوا يُنادون بتجريم الاختلاط !!!
فهل تشددت أمريكا يوم رفعت شعار محاربة الاختلاط ؟؟؟!!!
وهل تزمّـتت بريطانيا يوم أقرّت منع الاختلاط ؟؟؟؟
وغيرها مما هو معلوم .
وسبق أن سقت لك الأدلة على منع الاختلاط حتى في الطواف ، وليست آراؤنا الذاتية ، بل هذه روايات ثابتة عندنا وليست المسألة آراء شخصية أو تقاليد وعادات وأعراف .
مع العلم أن بعض تلك الروايات في صحيح البخاري عن عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهن - .
فليست هذه آراؤنا فحسب
ولا عاداتنا فقط
ولا فهما فهمناه
بل هو دين نَدِين الله به .
وإن أبيت إلا أن تُجهز على الأدلة بِحُجّة خبر الآحاد ، فأجهز على رسالات الرُّسـل لأنهم آحاد !
والله المستعان .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
كتبه عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الرياض - صبيحة الجمعة 28 / 6 / 1423 هـ