|
رحمه الله وغفر الله له
|
|
|
|
الدولة : في دار الممر .. إذْ لا مقرّ !
|
|
|
|
|
|
المنتدى :
قسـم المقـالات والـدروس والخُطب
كثُر الكلام حول الإكثار مِن خَتْم القُرآن ، وخاصة في رمضان .
بتاريخ : 01-06-2018 الساعة : 09:36 AM
كثُر الكلام حول الإكثار مِن خَتْم القُرآن ، وخاصة في رمضان .
وبعضهم يستدلّ بِحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، وفيه : اقرأ في كل سَبْعِ لَيالٍ مَرّة . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : ولا تَزِد على ذلك .
قال الإمام البخاري عن هذا الحديث : وقال بعضهم : في ثلاث ، وفي خَمْس ، وأكثرهم على سبع .
ويستدلّ بعضهم بحديث : لا يَفْقَه مَن قَرأه في أقلّ مِن ثلاث . رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
وبِقَول ابن مسعود رضي الله عنه : مَن قرأ القرآن في أقلّ مِن ثلاث فهو رَاجِز . رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة .
وما يُقابِل ذلك مِن الآثار المرويّة عن الصحابة والتابعين مِن خَتْم القرآن في أقلّ مِن ثلاث ، أو قراءة القرآن في رَكعة ، ونحو ذلك ؛ وهذا قد جاء عن عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، وعن تَمِيم الدَّارِيّ رضي الله عنه وعن سَعِيد بن جُبَيْر وسَعْد بن إِبْرَاهِيم .
فقد ثَبَت عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قرأ القرآن كلّه في ركعة واحدة ، كما في مصنّف عبد الرزاق ومصنّف ابن أبي شيبة .
قال عبد الرحمن بن عثمان التيمي : قلت : لأغْلِبَنّ الليلة على المَقام ، فسَبَقت إليه ، فبينا أنا قائم أصلي ، إذْ وضع رجل يده على ظهري ، فنظرت ، فإذا هو عثمان بن عفان رحمة الله عليه وهو خليفة ، فتَنَحّيت عنه ، فقام ، فمَا بَرِح قائما حتى فَرَغ مِن القرآن في ركعة ، لم يَزِد عليها ، فلمّا انصَرَف ، قلت : يا أمير المؤمنين ، إنمّا صَلّيت رَكعة ! قال : أجَل ، هي وِتْرِي . رواه ابن المبارك في " الزهد " .
وفي رواية : قال عبد الرحمن بن عثمان : قُمتُ خَلف الْمَقام أُصلّي ، وأنا أُريد أن لا يَغْلِبني عليه أحد تلك الليلة ، فإذا رَجُل مِن خَلْفي يَغْمِزني ، فلم ألْتَفِت إليه ، ثم غَمَزَني فَالْتَفَت ، فإذا هو عثمان بن عفان ، فتَنَحّيتُ ، وتقدّم وقرأ القرآن كُلّه في رَكعة ، ثم انصرف . رواه ابن أبي شيبة .
وعَن ابن سِيرِين أَنّ عُثْمَانَ كَان يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ ، يُحْيِي بِهَا لَيْلَةً . رواه عبد الرزاق .
ورَوَى ابن سِيرِين أنّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ قَرَأ الْقُرْآنَ كُلَّه فِي رَكْعَة . رواه ابن المبارك في " الزهد " وابن أبي شيبة .
ورَوى حَمَّاد بن أَبِي سُلَيْمَانَ ، قَال : سَمِعْتُ سَعِيدَ بن جُبَيْر ، يَقُول : قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فِي الْكَعْبَة فِي رَكْعَةٍ . رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة .
وقَال مُجَاهِد : كَان عَلِيٌّ الْأَزْدِيُّ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ . رواه ابن أبي شيبة .
وكان هذا العمل لا يُستَنْكَر مِن الأئمة .
قال ابن وهب : قيل لِمَالِك : الرّجل الْمُحْصر يَخْتم القرآن في ليلة ؟ قال : ما أجْود ذلك ، إن القرآن إمام لكل خير ، قال مَالِك : ولقد أخبرني مَن كان يُصَلّي إلى جَنْب عُمر بن حسين في رمضان ، قال : كنت أسمعه يَسْتَفْتِح القرآن في كلّ لَيلَة . رواه البيهقي في " شُعب الإيمان " .
وقال ابن بطّال : رَوى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فى الهَذّ في القراءة قال : مِن الناس مَن إذا هَذّ أخَفّ عليه ، وإذا رَتّل أخطأ . ومِن الناس مَن لا يُحسِن الهَذّ .
والناس فى هذا على قَدْر حَالاتهم وما يَخِفّ عليهم ، وكُلّ واسِع . وقد رُوي عن جماعة مِن السّلَف أنهم كانوا يَختِمون القرآن فى رَكعة ، وهذا لا يُمكِن إلاّ بِالهَذّ . اهـ .
وقراءة القرآن في ليلة مُحتَمَلَة مِن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قرأ في رَكعة واحِدة أكثر مِن خمسة أجزاء ، وهذا يَعني أنه لو صَلّى سِتّ رَكعات بهذه الطريقة لَخَتَم القرآن في ليلة . وهذا مُحتَمل في ليالي الشتاء الطويلة .
ففي حديث حذيفة رضي الله عنه قال : صَلّيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة ، فقلت : يَركَع عند المائة ، ثم مضى ، فقلت : يُصلي بها في ركعة ، فمَضَى ، فقلت يَركَع بها ، ثم افتتح النساء فقرأها ، ثم افتتح آل عمران فقرأها ، يقرأ مُتَرسِّلا إذا مَرّ بآية فيها تسبيح سَبَّح ، وإذا مَرّ بِسُؤال سَأل ، وإذا مَرّ بِتعوِّذ تَعوَّذ . رواه مسلم .
قال ابن حَجَر : وهذا إنما يَتَأتّى في نحو مِن سَاعَتين ، فلعله صلى الله عليه و سلم أحْيَا تلك الليلة كُلّها . اهـ .
وقراءة القرآن في أقلّ مِن ثلاث لم يَرِد نَهْي صريح عنها ، وإنما قَرّر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، مع الخلاف الذي أشار إليه الإمام البخاري : ثلاث ، خَمْس ، سَبْع ، وهو مُحتَمل أنه توجيه خاص بِعبد الله بن عمرو ، بِدليل أنه قال – في رواية أحمد وأبي داود - : لا يَفْقَه مَن قَرأه في أقلّ مِن ثلاث .
وتَخْتَلِف وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بِحسب ما يَعرِف عنهم ، وما يُطيقون ، وما يُناسِب كلّ واحد منهم ؛ فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رَجُلاً فقال : لا تغضب ، فرد مرارا ، لا تغضب . كما عند البخاري .
وقال لآخر : عليك بالجهاد ، فإنه رَهبَانِيّة الإسلام . كما في مسند الإمام أحمد وغيره .
وقال لثالث : عليك بالصّوم ، فإنه لا مِثل له . وفي رواية قال : لا عِدْلَ له . كما في مسند الإمام أحمد وغيره .
ولذلك قال الإمام الترمذي : وقال بعض أهل العِلم : لا يُقرأ القرآن في أقل مِن ثلاث ؛ للحديث الذي رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ورَخّص فيه بعض أهل العِلم ، ورُوي عن عثمان بن عفان أنه كان يقرأ القرآن في رَكعة ، يُوتِر بها . ورُوي عن سعيد بن جبير أنه قَرأ القرآن في رَكْعة في الكَعْبة .
والترتيل في القراءة أحبّ إلى أهل العِلْم . اهـ .
ونَفْي الفِقْه والتّفقّه في القرآن والتّدبّر لا يَنْفِي حصول الأجر المذكور في قوله عليه الصلاة والسلام : مَن قرأ حَرْفا مِن كتاب الله فَلَه به حَسَنة ، والْحَسَنة بِعَشْر أمثالها ، لا أقول " آلم " حَرْف ، ولكن ألف حَرْف ، ولام حَرْف ، ومِيم حَرْف . رواه الترمذي وصححه الألباني .
وقد ذَكَر العلماء الخِلاف في تفضيل الترتيل مع قِلّة القراءة على سرعة القراءة مع كثرتها .
قال ابن القيم : اختلف الناس في الأفضل مِن الترتيل وقِلّة القراءة أو السرعة مع كثرة القراءة أيهما أفضل ؟ على قولين .
فذهب ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما إلى أن الترتيل والتدبر مع قِلّة القراءة أفضل مِن سُرعة القراءة مع كثرتها . واحتجّ أرباب هذا القول بأن المقصود مِن القراءة فَهْمه وتَدَبّره والفِقه فيه والعمل به ، وتلاوته وحِفظه وَسِيلة إلى معانيه ، كما قال بعض السلف : نَزَل القرآن ليُعْمَل به فاتّخَذُوا تِلاوته عَمَلاً .
ولهذا كان أهل القرآن هم العَالِمُون به والعَامِلُون بما فيه وإن لم يَحْفَظوه عن ظَهْر قَلْب ، وأما مَن حَفِظه ولم يَفْهمه ولم يَعْمَل بما فيه فليس مِن أهله وإن أقام حُروفه إقامة السّهْم ...
وقال أصحاب الشافعي رحمه الله : كَثْرة القراءة أفضل ، واحْتَجّوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن قرأ حَرْفًا مِن كِتاب الله فَلَه به حَسنة ، والحسنة بِعَشر أمثالها ، لا أقول " الم " حَرْف ، ولكن ألِفٌ حَرْف ، ولامٌ حَرْف ، ومِيمٌ حَرْف . رواه الترمذي وصححه . قالوا : ولأن عثمان بن عفان قرأ القرآن في رَكعة ، وذكروا آثارا عن كثير مِن السلف في كثرة القراءة .
والصواب في المسألة : أن يُقال : إن ثواب قراءة الترتيل والتدبّر أجَلّ وأرفع قَدْرا ، وثواب كَثْرة القراءة أكثر عَددا ؛ فالأوّل كَمَن تَصَدّق بِجَوْهَرة عَظيمة ، أو أعتق عبدا قيمته نفيسة جدا ، والثاني : كَمَن تَصَدّق بِعَدد كثير مِن الدراهم ، أو أعتق عددا مِن العَبيد قِيمَتهم رَخِيصَة . اهـ .
وحَمَل بعض العلماء النهي عن قراءة القرآن في أقلّ مِن ثلاث على المُداومة على ذلك .
قال ابن رَجب : و إنما وَرد النّهي عن قراءة القرآن في أقلّ مِن ثلاث على المداومة على ذلك ، فأما في الأوقات الْمُفَضّلة ؛ كَشَهر رَمضان ، خُصوصا الليالي التي يُطلَب فيها ليلة القَدْر ، أو في الأماكن الْمُفَضّلة ؛ كَمَكّة لِمَن دَخَلها مِن غير أهلها ، فيُسْتَحبّ الإكثار فيها مِن تلاوة القرآن اغتناما للزّمان والمكان ، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما مِن الأئمة ، وعليه يَدلّ عَمَل غيرهم . اهـ .
وخِتاما :
فهذه المسألة تحتاج إلى فِقْه نَفْس ؛ فَلَسْنَا نَرَى الناس في إقبال على قِراءة القرآن ، وقد تتابَعوا على قراءة القرآن في رَكعة ، أو في ليلة ، مِن أجل أن نُبيّن لهم ونَنْهاهُم !
وأذكر بعض الأساتذة تَكلّم عمّا وَرَد عن أهل العِلم في رمضان ، مِن أنهم يَترُكون التدريس وتعليم الناس ويُقبِلون على قراءة القرآن ، وحاول تفنيد ذلك وتضعيفه !!
وهذا خطأ مَنْهَجيّ وسُلوكيّ مِن وَجهين :
الوجه الأول : أنه بهذه الطريقة يُهوّن مِن شأن قراءة القرآن ، ويُضعِف الْهِمَم عن قراءة القرآن والإقبال عليه ، خاصة في رمضان .
الوجه الثاني : أنه أراد أن يُنَزّل قواعِد الْمُحَدِّثِين في رواية الحديث النبوي على ما وَرَد عن الأئمة !
وهذا غير صحيح ؛ فإن الأئمة احتاطُوا لِحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يَحتاَطوا لِغَيره ؛ لأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم ليس كَكَلام غيره ، ولأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم تُؤخَذ مِنه الأحكام بِخلاف الكلام الذي تُؤخَذ مِنه الْحِكمَة دون الأحكام .
قال أبو زكريا العنبري : الخْبَر إذا وَرَد لم يُحرم حَلالا ، ولم يُحِلّ حَرَاما ، ولم يُوجِب حُكما ، وكان في ترغيب أو ترهيب ، أو تشديد أو تَرخِيص ، وَجَب الإغماض عنه ، والتّسَاهل في رُوَاته . رواه الخطيب البغدادي في " الكفاية " .
قال الخطيب البغدادي في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " : وَأَمَّا أَخْبَارُ الصَّالِحِينَ وَحِكَايَاتُ الزُّهَّادِ وَالْمُتَعَبْدِينَ وَمَوَاعِظُ الْبُلَغَاءِ وَحِكَمُ الأُدَبَاءِ ؛ فَالأَسَانِيدُ زِينَةٌ لَهَا ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي تَأْدِيَتِهَا .
ثم روى بإسناده إلى يوسف بن الحسن الرازي يقول : إسناد الحكمة وُجُودها . اهـ .
أي أن وُجُود ما يَكون مِن الْحِكَم والمواعظ كافٍ عن البحث والتفتيش عن أسانيدها ؛ لأنه لا يُبنى عليها حُكم .
وسبق :
خُطبة جمعة .. عن (رمضان والقرآن)
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=21343
وللفائدة :
هل تُشترَط صِحة الأسانيد في نقل قِصَصٍ عن الصحابة والصالحين ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=15431
|
|
|
|
|