نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.63 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسـم المقـالات والـدروس والخُطب
افتراضي محمد رسول الله ﷺ : من كَريم صِفاته ومعجزاته ودلائل نبوته
قديم بتاريخ : 21-08-2019 الساعة : 04:01 AM

سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم

مِن آياته ومُعجِزاته (1)
تَزكِيَته :
زَكّاه ربّه ، وأيُّ تَزكيةٍ أزْكَى وأسْمَى مِن تَزكيةِ الله ؟
زكّى عَمَلَه ، فقال : (وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ) قال ابن كثير : أي : بل لك الأجرُ العظِيمُ ، والثوابُ الجزيلُ الذي لا ينقطعُ ولا يَبِيدُ ، على إبلاغك رسالةَ رَبِّك إِلى الخلقِ ، وصبْرِك على أذَاهُم . اهـ .
زكّى عِلْمَه ، فقال : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) .
زَكّى قلبَه ، فقال : (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) .
وزَكّى بَصَرَه ، فقال : (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) .
وزَكّى نُطقَه ولِسانَه ، فقال : (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) .
وزَكّى عَقلَه ، فقال : (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) .
وزكّى خُلُقَه ، فقال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) .

سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (2)
صِفَته وجماله :

كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجملَ الناس وَجها ، وأعدلَهم قَوَاما ، وأحسَنَ الناسِ خُلُقا .
سئلَ البراء رضي الله عنه : أكان وجهُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثلَ السّيفِ ؟ قال : لا، بل مثلَ القمرِ . رواه البخاري .
قال القسطلاّني : " بل مثلَ القمرِ" في الحُسن والملاحة والتدوير . وعَدَل إلى القَمر لِجَمْعه الصِّفَتَين : التدوّرِ واللمعان .
وعند مًسلم مِن حديث جابر بنِ سَمُرةَ قال : " بل كان مثلَ الشمسِ " أي : في نهاية الإشراق " والقمرِ " أي: في الحُسن . وزاد : " وكان مُستديرًا " تَنْبِيهًا على أنه أرادَ التشبيهَ بالصِّفَتَين معًا : الحُسنِ والاستدارةِ ؛ لأن التشبيه بالقمر إنما يُراد به الملاحةُ فقط . اهـ .

رسولُ الله صلى الله عليه وسلم طَلْقُ الْمُحيّا ، دائمُ البِشْر
قال كَعْب بنُ مالكٍ رضي الله عنه : وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذا سُرَّ استنارَ وَجهُه حتى كأنه قِطعةُ قمرٍ ، وكُنّا نعرف ذلك مِنْه . رواه البخاري ومسلم .

وقال جرير بنُ عبدِ الله : رأيتُ وجهَ رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم يتهللُ ، كأنه مَذهبَةٌ . رواه مسلم .
قال ابن الأثير : مِنَ الشَّيء الْمُذْهَب ، وَهُوَ المُمَوَّه بِالذَّهَبِ . اهـ .
وقال جرير بنُ عبدِ الله رضي الله عنه : ما حَجَبَنِي النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسْلَمتُ ، ولا رآني إلاّ تَبَسّم في وَجْهِي . رواه البخاري ومسلم .
ووصَفَه عمر رضي الله عنه فقال : وكان مِن أحْسنِ الناسِ ثَغْرًا . رواه البخاري ومسلم .


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (3)
أنظَفُ الناس ، وأعطَرُ الناس ؛ أحسنُ الناس مَظهرا ، وأطهرُهم مَخبَرا ، وأذكاهُم عِطرا .
قال أَنَسٌ رضي الله عنه : كان رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم أزهرَ اللونِ ، كأنَّ عَرَقَه اللؤلؤُ ، إِذا مَشَى تكفّأَ ، ولا مَسِسْتُ دِيباجةً ، ولا حَريرةً ألْينَ مِن كَفّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وَلاَ شَمِمْتُ مِسْكَةً ولا عَنْبَرةً أطيبَ مِن رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري ومسلم .
قال النووي : قولُهُ : " أَزْهَرُ اللونِ " هو الأبيضُ المسْتَنِيرُ ، وهي أحسنُ الألوانِ .
قولُهُ : " كأنَّ عَرقَه اللؤلؤُ " أي : في الصَّفاء والبَيَاض . اهـ .
وقال جابر بنُ سَمُرَةَ : صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الأُولى ، ثم خَرج إلى أهله وخرجتُ معه، فاسْتَقْبَلَه وِلْدانٌ ، فجَعل يمسحُ خديْ أحدِهم واحدًا واحدًا ، قال : وأمّا أنا فمَسحَ خَدِّي . قال : فوَجدتُ لِيَدِه بَرْدًا ، أو ريحًا كأنما أخرَجها مِن جُؤْنَةِ عطار . رواه مسلم .

قال النووي : " صلاةَ الأُولى " يعنى الظّهر ... وَفِي مَسْحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصِّبْيَانَ بَيَانُ حُسْنِ خُلُقِهِ ، وَرَحْمَتِهِ لِلْأَطْفَالِ ، وَمُلَاطَفَتِهِمْ . وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ : بَيَانُ طِيبِ رِيحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ مِمَّا أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . قَالَ الْعُلَمَاءُ : كَانَتْ هَذِهِ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ صِفَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّ طِيبًا ، وَمَعَ هَذَا فَكَانَ يَسْتَعْمِلُ الطِّيبَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ مُبَالَغَةً فِي طِيبِ رِيحِهِ ؛ لِمُلَاقَاةِ الْمَلَائِكَةِ وَأَخْذِ الْوَحْيِ الْكَرِيمِ ، وَمُجَالَسَةِ الْمُسْلِمِينَ . اهـ .
قال القاضي عِياض : جُونة عطار مَهْمُوز ، هُوَ سِفط مغشى بِجِلد ، يَضَع فِيه الْعَطَّار طِيبه ومَتاعه .
وقال ابن الأثير : الجُونَة بِالضَّمِّ : التي يُعَدّ فِيهَا الطّيبُ ويُحْرَز . اهـ .
وقال أبو جُحيفَة رضي الله عنه : فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي ، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ . رواه البخاري ومسلم ، واللفظ للبخاري .
يَطِيب الطيب إذا خُلِط بعَرَقِه صلى الله عليه وسلم
جَمَعَت أم سُليم عَرَق النبي صلى الله عليه وسلم فَجَعَلته في الطيب والقوارير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أم سليم ما هذا ؟ قالت : عرقك أدُوف به طِيبِي . رواه البخاري ومسلم .
ومعنى " أدُوف " أي : أخلط .


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (4)
يَشْرُف به كُلّ مَن وَصَل إليه بِسبب أو بِنَسَب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كُلّ سَبَبٍ ونَسَبٍ يَنْقَطِع إلاَّ سَبَبِي ونَسَبِي . رواه مِن حديث عُمر : عبد الرزاق والطبراني في الكبير وفي الأوسط ، ومِن طَرِيقِه الضياء في "المختارة" ورواه البيهقي .
وقال الهيثمي في " مَجْمَع الزّوائد " : رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ، ورجالهما رجال الصحيح غير الحسَن بن سَهل ، وهو ثقة .
وقال الألباني : صَحِيح بِمَجْمُوع طُرُقِه . اهـ .
وأعظَم الأسباب الْمُتّصِلة بِرَسُول الله صلى الله عليه وسلم : التّمسّك بِسُنّته ، والاهتداء بِهَدْيِه ، وصِدْق مَحَبّته .

لِمّا أتى الشيخ أبو الوليد الطرطوشي - رحمه الله - الخليفةَ بِمِصر ، وَجَد عنده وزيرا رَاهِبا وسَلّم إليه قياده ، وأخذ يَسمَع رأيه ، ويُنَفّذ كلماته المسمومة في المسلمين .
وكان هو ممن يَسمع قوله فيه ، فلما دخل عليه في صُورة الْمُغْضَب ، والوزير الراهب بإزائه جالس أنشده :
يا أيها الملِك الذي جُوده ... يَطلبه القاصِد والراغِب
إن الذي شُرّفْتَ مِن أجله ... يَزعم هذا أنه كاذِب
فاشتد غضب الخليفة عند سماع الأبيات ، وأمَر بالرّاهب فسُحِب وضُرِب وقُتِل ، وأقبل على الشيخ أبي الوليد فأكْرَمه وعَظّمه بعد عَزْمه على إيذائه ,
فلمّا اسْتَحْضَر الخليفة تكذيب الراهب لِرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو سَبَب شَرَفه وشَرَف آبائه وأهل السماوات والأرضين بَعَثَه ذلك على البُعْد عن السكون إليه والْمَوَدّة له ، وأبعده عن منازل العِزّ إلى ما يَليق بِه مِن الذّلّ والصّغَار (الفروق ، للقرافي) .


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (5)
تُشرِق الوُجوه بِمسْحَة يَدِه صلى الله عليه وسلم
قال أَبو العلاء بنُ عُمير : كنتُ عندَ قَتادةَ بنِ مِلحانَ حينَ حُضِرَ ، فمَرَّ رجل في أقصى الدّار ، قال : فأبْصَرتُه في وَجْه قتادةَ ، قال : وكنتُ إِذا رأيتُه كأن على وَجْهه الدِّهَانَ ، قال : وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَسَحَ على وَجهه . رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح .
حينَ حُضِرَ : أي : حِين حَضَرته الوفاة .


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (6)
كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْدَى الناس راحةً ، وأرحبَهم ساحةً ، كان بَابُه مَحطَّ الرِّحَال ؛ مَن أتاه خائفا أمِن ، ومَن أتاه طامِعًا غَنِم .
قَالَ أنسٌ رضي الله عنه : ما سُئلَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلاّ أعطاه ، قال : فجاءه رجل فأعطاه غَنَمًا بَين جَبَلَين ، فرَجَعَ إِلى قومه ، فقال : يا قوم أسلِمُوا ، فإن محمدًا يُعطِي عطاءً لا يخشى الفَاقةَ . رواه مسلم .
وأعطى صَفوانَ بنَ أميةَ يومَ حُنينٍ مائةً مِن النَّعَم ، ثم مائةً ، ثم مائة . رواه مسلم .
وأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ يومَ حُنينٍ ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ . رواه مسلم .
وقَدِمَ عليه سبعونَ ألفَ درهمٍ ، فقام يَقسِمُها فمَا ردَّ سائلاً حتى فَرَغ منها صلى الله عليه وسلم . رواه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد أخبَر جبيرُ بنُ مطعم أنه كان يسيرُ هو مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناسُ مَقْفَلَهُ مِن حُنينٍ ، فَعَلِقه الناس يَسألُونه حتى اضْطرّوه إلى سَمُرةٍ ، فخَطَفتْ رداءه ، فَوقَف النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أعطوني رِدائي . لو كان لي عددُ هذه العِضَاه نَعَمًا لَقَسَمته بينكم ، ثم لا تجدوني بخيلا ، ولا كَذُوبا ، ولا جَبَانا . رواه البخاري .
ومما استقَرّ عند الناس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يَرُدّ سائلا .
جاءت امرأة بِبُرْدَة ، فقالت : يا رسول الله إني نَسَجْتُ هذه بِيدِي أكْسُوكَها ، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجا إليها ، فَخَرَج إلينا وإنها إزَاره ، فقال رَجُل مِن القوم : يا رسول الله اكْسُنِيها ، فقال : نعم ، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المجلِس ثم رَجع فَطَوَاها ، ثم أرْسَل بها إليه ، فقال له القَوم : ما أحسَنتَ ، سَألتها إياه ، لقد عَلِمْتَ أنه لا يَردّ سَائلا ، فقال الرّجُل : والله ما سألته إلاّ لِتَكون كَفَنِي يوم أموت . قال سَهل بن سعد رضي الله عنه : فكانت كَفَنه . رواه البخاري .

وجاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَكَلّمه ، فَجَعل تَرعد فَرَائصُه ، فقال له : هَوّن عليك ، فإني لست بِمَلِك ، إنما أنا ابن امرأة تأكل القَدِيد . رواه ابن ماجه ، وفي الزوائد : هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات . اهـ .

وقال رَافِع بن خَدِيجٍ رضي الله عنه : أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ . رواه مسلم .
وفي رواية له : وَأَعْطَى عَلْقَمَةَ بْنَ عُلاثَةَ مِائَةً .

هذا – والله – هو الْكَرَم ، ثم لعله صلى الله عليه وسلم يَبِيت جائعا .

سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (7)
ورسول الله صلى الله عليه وسلم الشجاعُ الذي يتقدّم الشجعان إذا احْمَرّتِ الحَدَق ، وادلَهَمّتِ الْخُطُوب
أنت الشّجاعُ إذا الأبطالُ ذاهلةٌ **** والْهُنْدُوانيُّ في الأعناق والُّلمَمِ
قال البراءُ رضي الله عنه : كُنّا والله إذا احْمَرّ البَأسُ نتّقي به ، وإن الشجاعَ مِنّا للّذِي يُحاذِي به ، يعني النبيَ صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم .
وقال عليٌّ رضي الله عنه : كنا إذا احْمَرّ البَأسُ ولَقِي القَومُ القَومَ اتّقَينا بِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فما يكون مِنّا أحدٌ أدنى مِن القَوم مِنه . رواه أحمد والنسائي في الكبرى ، بإسناد صحيح .
وقال رضي الله عنه : لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَلُوذُ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ أَقْرَبُنَا إِلَى الْعَدُوِّ ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَأْسًا . رواه الإمام أحمد .
أما البَراء رضي الله عنه ، فهو الملقّب بالمَهلَكَة ، وأما عليٌّ رضي الله عنه ، فشجاعتُه أشهرُ مِن أن تُذكَر .
ومع ذلك يَتّقُون بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أقْربُ الناسِ إلى العدوّ ، غيرَ هَيّابٍ ولا وَجِلِ !
وكان الشجاع منهم الذي يُحَاذِي رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم .
قال عبد اللَّه بن كَعْب بن مَالِك : كَانَ كَعْبٌ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ [يعني : يوم أُحُد] وَقَوْلِ النَّاسِ : قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . قَالَ كَعْبٌ : عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ تَزْهَرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنْ أَنْصِتْ ، فَلَمَّا عَرَفُوا رَسُولَ اللَّهِ نَهَضُوا بِهِ مَعَهُمْ نَحْوَ الشِّعْبِ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ فِي رَهْطٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَمَّا أُسْنِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الشِّعْبِ أَدْرَكَهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ : يَا مُحَمَّدُ لا نَجَوْتُ إِنْ نَجَوْتَ . فَقَالَ الْقَوْمُ : أَيَعْطِفُ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ مِنَّا ؟ فَقَالَ : دَعُوهُ . فَلَمَّا دَنَا تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبَةَ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ ، فَلَمَّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشَّعْرِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إِذَا انْتَفَضَ ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ بِهَا طَعْنَةً تَدَأْدَأَ مِنْهَا عَنْ ظَهْرِ فَرَسِهِ مِرَارًا . رواه ابن إِسْحَاق في " السِّيرَة " وأبو نُعيم في " دلائل النبوة " والبيهقي في " دلائل النبوة " مِن طريق الزهري دون ذِكْر عبد اللَّه بن كَعْب بن مَالِك .
وَفي رواية ابن إِسْحَاق : ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تردّى مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا .


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (8)
كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصدَقَ الْخَلْقِ ، وأوفَى الْخَلْقِ ، وأرحَمَ الْخَلْقِ بالْخَلْق .
وَصَفَه الله عز وَجَل ببعض صِفَته ، فقال : (قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
أغرُّ ، عليه للنّبُوّة خاتَمٌ *** مِن الله مَشهُودٌ يَلُوحُ ويُشهَدُ
وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيِّ إلى اسمه *** إذا قال في الخَمسِ المؤذنُ : أشْهَدُ
وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليُجِلَّه *** فذو العرشِ محمودٌ ، وهذا محمدُ

وَفّى له ربّه بِما وَعَد به في حياته صلى الله عليه وسلم فنُفِّذ وَعْده صلى الله عليه وسلم بعد موته
حَدَّث عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ (الباقِر) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ قَالَ : لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ ï·؛ جَاءَ أَبَا بَكْرٍ مَالٌ مِنْ قِبَلِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ ï·؛ دَيْنٌ أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا ، قَالَ جَابِرٌ : فَقُلْتُ : وَعَدَنِي رَسُولُ اللهِ ï·؛أَنْ يُعْطِيَنِي هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، فَبَسَطَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ جَابِرٌ : فَعَدَّ فِي يَدِي خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ خَمْسَمِائَةٍ . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : قال جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ï·؛ : لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا ثَلاثًا ، فَلَمْ يَقْدَمْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ ï·؛ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى : مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ ï·؛دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي .

رَفَع الله له ذِكْرَه ؛ فلا يُذكر الله عزّ وَجَلّ إلاّ ويُذكر معه النبيُّ صلى الله عليه وسلم
(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)
قال مجاهد : لا أُذكَرُ إلا ذُكِرتَ معي : أشهَد أن لا إلهَ إلا اللهُ ، وأشهد أن محمدًا رسولُ اللهِ .
وقال قتادة : رفع اللهُ ذِكرَه في الدنيا والآخرةِ، فليس خطيبٌ ولا مُتشهدٌ ولا صاحبُ صلاةٍ إلا يُنادي بها: أشهَد أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأن محمدًا رسولُ الله .
مَن يُصلِّ الصلواتِ المفروضةَ ويُصلِّ السننَ الرواتبَ ويُرددْ خلفَ المؤذنِ : فسيَذكرُ النبيَّ ï·؛ (باسْمِه أو بِوصفِه) أكثرَ من 80 مرّةً في اليوم
فلو افترضنا أن مليارَ مُسلم فعلوا ذلك يوميا ؛ فسيُذكر رسولُ الله ï·؛ يوميا أكثرَ من 80 مليار مرّة
فكم سيُذكر في الشهر الواحد ؟
وكم سيُذكر في العام الواحد ؟
وكم ذُكر مِن مرّة خلالَ 1400 عام ؟
هنا تقف الأعداد ، وتتوقف الحسابات ...
مهما بَلغَت رِفعةُ بَشَر ، ومهما علا كَعبُه ، وارتفعت قيمتُه ؛ فلن يُذكرَ بَشَرٌ كما ذُكِر رسولُ الله ï·؛ .
وصدَق الله : (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك)


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (9)
أعظمُ الْخَلْقِ وأكرَمُهم على الله
كان مِن الممكن أن تُسَوّى مكّة بأهلِها ، وأن تُدَكْدَكَ عليهم جِبَالُها ؛ نُصرةً له صلى الله عليه وسلم .

في الصحيحين أن مَلَكَ الْجِبَال نادَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، وسلَّمَ عليه ، ثم قال : يا محمدٌ ، إن اللهَ قد سَمِعَ قولَ قومِك لك ، وأنا مَلَكُ الجبال وقد بعثني ربُّك إليك لتأمُرَني بأمرك ، فمَا شئتَ ، إن شئتَ أن أُطْبِقَ عليهم الأخشَبَين ، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أنْ يُخرِجَ اللَّه ِمن أصلابِهم مَن يَعبدُ اللهَ وحدَه لا يشرِكُ به شيئًا .


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (10)

عَظِيم القَدْر والمَكانَة عند الله
أوْحَى الله إليه : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)
قال القرطبي : وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ نَهَى نَبِيَّهُ عَنْ شِدَّةِ الاغتمام بهم والحزن عليهم . اهـ .

وجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ وهو جالسٌ حَزِينًا ، قد خُضِّبَ بالدماء ، ضَرَبَهُ بعضُ أهل مكة قال : فقال له : ما لك ؟ فقال له : " فَعَلَ بي هؤلاءِ وفَعَلُوا "، فقال له جبريل عليه السلام : أتُحب أنْ أريكَ آية ؟ قال : نعم ، قال : فنظرَ إلى شجرة من وراء الوادي ، فقال : ادعُ بتلك الشجرةِ ، فدعاها فجاءتْ تمشي حتى قامتْ بين يَديه ، فقال : مُرْها فلتَرْجِعْ ، فأمَرَها فَرَجَعَتْ إلى مكانها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حسبي ، حسبي. رواه الإمام أحمد وابن ماجه ، وهو حديث حَسَن .

قولُه : " أتُحب ان أُرِيك آية " قال السندي : تدلُّ على ما لَك عند الله مِن الكَرامة والشَّرف الذي تَنْسَى في جَنْبِه ما يَلحقُ بك مِن التَّعبِ في تبليغِ الرِّسالة . اهـ .

الحوض مَورِدُه ، والصِّراطُ موقِفُه ، و" أمّتي أمّتي " بَيَانُ رَحمتِه وشَفَقَتِه .
بِعثَته رحمة ، ورِسالته هِداية .. (يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ) .
السّراجُ الْمُنِير ، والبشير النذير (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا) .
هُو نُورٌ مِن الله .. (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) ذَكَر الإمام السمعاني أن مِن معاني النورِ هنا : محمدًا صلى الله عليه وسلم . قال : وَسُمي نورا لأنه يُتبينُ به الأشياءُ ، كما يتبينُ بالنورِ .
هو الحجّة والبُرهان .. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم ، هذا قولُ أكثرِ المفسرين) ... والبرهانُ : الحجةُ .

سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (11)
مُعجِزاته باهِرة ، وآياته ظاهِرة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : كَرَامَات أولياء الله إنما حَصَلَت بِبَرَكة اتّبَاع رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهي في الحقيقة تَدخل في مُعجِزات الرسول صلى الله عليه وسلم ، مثل : انْشِقاق القَمَر ، وتَسْبِيح الْحَصَا في كَفّه ، وإتيان الشّجَر إليه ، وحَنِين الْجِذع إليه ، وإخباره ليلة المعراج بِصِفَة بَيْت الْمَقْدِس ، وإخباره بما كان وما يكون ، وإتيانه بالكتاب العزيز ، وتكثير الطعام والشراب مَرّات كثيرة ؛ كما أشبع في الخندق العَسْكَر مِن قِدْر طَعام وهو لم يَنقص ، وأرْوَى العَسْكر في غزوة خيبر مِن مَزَادَة ماء ولم تَنقُص ، ومَلأ أوْعِيَة العَسْكر عام تبوك مِن طعام قليل ولم يَنقُص ، وهُم نحو ثلاثين ألْفًا ، ونَبَع الماء مِن بين أصابعه مَرّات مُتَعَدّدة حتى كَفَى الناس الذين كانوا معه ، كما كانوا في غزوة الحديبية نحو ألف وأربعمائة أو خمسمائة ، ورَدّه لِعَينِ أبي قتادة حين سَالَتْ على خَدّه ، فَرَجَعَتْ أحسَن عَيْنَيه ...
وَمِثْلُ هَذَا كَثِير ، قَدْ جَمَعْتُ نَحْوَ أَلْفِ مُعْجِزَةٍ .
وقال رحمه الله : وكان يأتِيهم بالآيات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم . ومُعجزاتُه تزيدُ على ألف معجزةٍ .

سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (12)

أنواع مُعجِزاته صلى الله عليه وسلم

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وآياته صلى الله عليه وسلم الْمُتَعَلّقة بِالقُدْرة والفِعل والتأثير أنواع :

الأول منها :

ما هو في العالَم العُلويّ كانْشقاقِ القمر ، وحِراسةِ السماء بالشُّهبِ الحراسةَ التامةَ لَمّا بُعِث ، وكَمِعْرَاجه إلى السماء ، فقد ذَكَر الله انشقاق القمر ، وبَيّن أن الله فَعَله ، وأخبر به لِحِكْمَتَين عظيمتين :
أحدُهما : كَونه مِن آيات النبوة ، لَمّا سأله المشركون آية ، فأرَاهم انشقاقَ القمر .
والثانية : أنه دَلالة على جَوازِ انشقاقِ الفَلَك ، وأن ذلك دلِيل على ما أخبرتْ به الأنبياءُ مِن انشقاق السماوات ...
ومعلوم بالضرورة في مُطَّرِد العَادَة ، أنه لو لم يكن انشقّ لأسرعَ المؤمنون به إلى تكذيبِ ذلك ، فضلا عن أعدائه الكفارِ والمنافقين ، ومعلومٌ أنه كان مِن أحرصِ الناس على تصديقِ الْخَلْقِ له ، واتّباعِهِم إياه ، فلو لم يَكن انشقّ لِمَا كان يُخبرُ به ويُقرؤه على جميع الناس ، ويُستدلّ به ، ويجعله آية له .
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال : إن أهل مكة سَألوا نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم أن يُريهم آية ، فأرَاهم انشقاق القَمر مَرّتَين ...
وكذلك صعودُه ليلة المعراج إلى ما فوق السماوات ، وهذا مما تواترتْ به الأحاديث ، وأخبرَ به القرآن ، أخبر بِمَسْرَاه ليلا مِن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وهو بيتُ المقدس ، وفي موضع آخر بصعوده إلى السماوات ، فقال تعالى : (سُبْحان الذِي أسْرى بِعبْدِهِ ليْلا مِن الْمسْجِدِ الْحرامِ إِلى الْمسْجِدِ الأقْصى الذِي باركْنا حوْلهُ لِنُرِيهُ مِنْ آياتِنا إِنه هُو السمِيعُ الْبصِيرُ) [الإسراء: 1] .
فأخبَر هنا بِمَسْرَاه ليلاً بين المسجِدَين ، وأخبر أنه فعلَ ذلك ليُريَه مِن آياته . ومعلومٌ أن الأرضَ قد رأى سائرُ الناس ما فيها مِن الآيات ؛ فعُلِم أن ذلك ليُرْيَه آياتٍ لم يَرَها عُموم الناس .


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (13)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في أنواع مُعجِزاته الْمُتَعَلّقة بِالقُدْرة والفِعل والتأثير :
النوع الثاني :
آيات الجوّ ، كَاسْتِسْقَائه صلى الله عليه وسلم ، واستِصْحَائه ، وطاعةِ السّحَابِ له ، ونُزولِ المطَر بِدُعائه صلى الله عليه وسلم .
وذَكَر شيخ الإسلام ابن تيمية حديث أنس في الصحيحين في استسقائه صلى الله عليه وسلم ، وفي استصحائه ؛ وهو طَلب الصّحو بعد ما استمرّ المطر أسبوعا .
قال أنس رضي الله عنه في ذِكْر خَبَر استسقائه صلى الله عليه وسلم : فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اسْقِنَا ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا ، قَالَ أَنَسٌ : وَلاَ وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ ، وَلاَ قَزَعَةً وَلاَ شَيْئًا وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلاَ دَارٍ ، قَالَ : فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ قَالَ : وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا . رواه البخاري ومسلم .

سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (14)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في أنواع مُعجِزاته الْمُتَعَلّقة بِالقُدْرة والفِعل والتأثير :
والنوع الثالث :
تصرفه في الحيوان : الإنس ، والجنّ ، والبهائم .
وذَكَرَ شيخ الإسلام ابن تيمية مُخاطَبَته صلى الله عليه وسلم للحيوانِ والجنّ .

ومِن مُخاطَبَته صلى الله عليه وسلم للجِنّ : ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه ، وفِيه : أنّ امرأة أتتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت : إن ابني هذا به لَمَم منذ سَبعِ سِنين ، يأخذُه كلَّ يوم مَرّتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أدْنِيه ، فأدنَتْه منه ، فتَفَل في فِيهِ ، وقال : اخرُج عدوَّ الله ، أنا رَسول الله . رواه ابن أبي شيبة والدارمي .
وفي حديث عثمانَ بنِ أبي العاصِ رضي الله عنه قال : يا رسولَ الله عَرَض لي شيء في صلواتي حتى ما أدري ما أصلي . قال : ذاك الشيطانُ ، أدنُه ، فدنوتُ منه ، فجلستُ على صُدور قَدمي ، قال: فضَرب صَدْرِي بِيدِه ، وتفَل في فَمِي ، وقال : اخرج عدو الله - ففعل ذلك ثلاثَ مَرّاتٍ - ثم قال : اِلْحَقْ بِعَمَلك . فقال عثمان : فَلعَمْري ما أحسَبُه خالَطَني بَعد . رواه ابن ماجه .

ومِن تأثيره صلى الله عليه وسلم في الْحَيَوان :
ما جاء في حديثَ سَفِينَةَ مَوْلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، قال : رَكِبتُ البحر في سَفينة فانْكَسَرتْ ، فَرَكِبْتُ لَوْحًا مِنها فطَرَحَني في أَجَمَةٍ فيها أسَدٌ ، فلم يَرُعْني إلاّ به ، فقلت : يا أبا الحارِث ، أنا مَولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فَطَأطَأ رَأسه ، وغمَز بِمَنكبه شِقّي ، فما زال يَغمِزني ، ويَهدِيني إلى الطريق ، حتى وَضَعني على الطريق ، فلمّا وَضَعَني هَمْهَم ، فظننت أنه يُوَدّعِنُي . رواه الحاكم ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . ووافقه الذهبي .

ودَخَل النبي صلى الله عليه وسلم حائطَ رَجلٍ مِن الأنصار فإِذا جَمَلٌ ، فلمّا رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وذَرَفَتْ عيناه ، فأتاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فمَسَحَ ذِفراه ، فسَكَتَ ، فقال : مَن رَبُّ هَذَا الجمَلِ ؟ لِمَن هذا الجملُ ؟ فجاء فتًى مِن الأنصار فقال : لي يا رسولَ اللَّه ، فقال : أفلا تتقي اللهَ في هذه البَهِيمَة التي مَلَّكَكَ اللَّهُ إياها ؟ فإنه شَكَا إلَيَّ أنك تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ . رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
قال ابن الجوزي : الذِّفْرَى من البعير مُؤخِّرُ رأسه .

وحَدَّث عبدُ اللَّه بنُ مَسْعُود رضي الله عنه فقال : كُنّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَر ، فانطلقَ لحاجته ، فرأينا حُمّرة معها فَرْخَان ، فأخذنا فَرْخَيها ، فجاءت الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفرُش ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : مَن فَجَع هذه بِولدِها ؟ رُدّوا وَلدَها إليها . ورأى قَرية نَمْل قد حَرَقناها ، فقال : مَن حَرَق هذه ؟ قلنا : نحن ، قال : إنه لا ينبغي أن يُعذِّبَ بالنارِ إلاّ ربُّ النار . رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
وفي رواية لأبي داودَ الطيالسيِّ : كُنّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفر ، فَدخل رَجُل غَيضةً فأخْرَج منها بَيضةَ حُمّرةٍ ، فجاءت الحُمّرةُ تَرِفُّ على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال : أيكُّم فَجَعَ هذه ؟ فقال رَجُل مِن القوم : أنا أخذتُ بَيضتَها ، فقال : رُدّه رُدّه ، رَحْمَةً لها .
ورواه الإمام أحمد والبخاري في " الأدب المفرَد " بِذِكر بيضةٍ بدلِ ذِكرِ فَرخ .
قال ابن الأثير : الحمَّرةُ - بضم الحاء وتشديد الميم - وقد تُخَفّف : طائرٌ صغير كالعصفور .
وقال ابن الجوزي : في الحديث : " فجاءت الْحُمَّرة فَجعلَت تَفرُش " وهو أن تقربَ مِن الأرض وتُرفرفُ بجناحيها

سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (15)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في أنواع مُعجِزاته الْمُتَعَلّقة بِالقُدْرة والفِعل والتأثير :
النوعُ الرابع :
آثارُهُ في الأشجارِ والْخَشَب
قال ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما : كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَخطب إلى جِذْع ، فلما اتّخذ المنبرَ تَحَوّلَ إليه فحَنَّ الجذعُ ، فأتاه فمَسَح يدَه عليه . رواه البخاري .
وفي رواية عن ابن عباس : فحنَّ الجذع حتى أخذه فاحتَضَنه فسَكَن ، فقال : لو لم أحتَضِنْه لَحَنَّ إلى يوم القيامة رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجه ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
قال الحافظ ابن كثير : باب حَنِين الْجِذْع شَوقًا إلى رسول الله وشَغَفًا مِنْ فِرَاقِهِ .
وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحابة بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ أئمة هذا الشأن وفُرْسَان هذا الْمَيْدَان . اهـ .

وشَهِد له صلى الله عليه وسلم بِالنُبوّة : الشجرُ والحجَر
دَعَا رسول الله صلى الله عليه وسلم شَجرةً فجاءتْ تمشي إليه
قال ابنُ عمرَ رضي الله عنهما : كُنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفر ، فأقبَلَ أعرابي ، فلمّا دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين تُريد ؟ قال : إلى أهلي ، قال : هل لك في خَير ؟ قال : وما هو ؟ قال : تَشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَهُ ، وأن محمدا عبدُه ورسولُه . فقال : ومَن يَشهدُ على ما تقول؟ قال : هذه السَّلَمَةُ . فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بِشاطئ الوادي ، فأقبلت تَخُدُّ الأرضَ خَدّا حتى قامتْ بين يديه ، فاستَشْهَدَها ثلاثا ، فشَهِدت ثلاثا أنه كَمَا قال ، ثم رَجعت إلى مَنْبَتِها ، ورجع الأعرابي إلى قومه ، وقال : إن اتّبَعوني أتيتك بهم ، وإلاّ رجعتُ فكنتُ معك . رواه الإمام الدارمي .

وجاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بِمَ أعرف أنك نَبِيٌّ ؟ قال : إن دعوتُ هذا العِذقَ مِن هذه النخلةِ ، أتشهد إني رسولُ الله ؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل ينزل مِن النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : ارجع ، فَعَاد ، فأسلم الأعرابي . رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهو حديث صحيح .
قال ابن الأثير : العَذْق بِالْفَتْحِ : النَّخْلة ، وَبِالْكَسْرِ : العُرجُون بِمَا فِيهِ مِنَ الشَّمارِيخ . اهـ .
وسيأتي في النوع السادس : تأثيرُه صلى الله عليه وسلم في الأحجارِ ، وتصَرُّفُه فيها ، وتسخيرُها له


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (16)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في أنواع مُعجِزاته الْمُتَعَلّقة بِالقُدْرة والفِعل والتأثير :
والنوعُ الخامس :
الماء والطعام والثمار ، الذي كان يَكثُر ببِرَكَته فوق العادة ، وهذا بابٌ واسعٌ نذكُر منه ما تَيسّر .
أما الماء : ففي الصحيحين عن أنسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء ، فأُتي بِقَدح رَحْرَاح ، فجعل القومُ يَتَوضّؤون ، قال : فحَزَرْتُ ما بين السبعين إلى الثمانين .

وفي حديث أنس رضي الله عنه : أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزَوراء ، فوَضَع يَدَه في الإناء ، فجعل الماءُ يَنبعُ مِن بين أصابعه ، فتوضّأ القوم . قال قتادةُ : قلت لأنس : كَم كُنتم ؟ قال : ثلاثمائة أو زُهاءُ ثلاثمائة . رواه البخاري ومسلم .

وفي الصحيحين عن جابر قال : قد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد حضرتْ صلاة العصر، وليس معنا ماءٌ غيرَ فَضْلَة ، فجُعِلَ في إناء ، فأتَى النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل يَده فِيه ، وفَرّج أصابعه ، وقال : حي على الوضوء ، والبرَكةُ مِن الله . فلقد رأيت الماءَ يتفجّرُ مِن بين أصابعه ، فتوضّأ الناسُ وشَرِبوا، فجعلتُ لا آلُو ما جَعلتُ في بَطني منه ، فعلمتُ أنه بَركة ، قيل لجابر : كم كنتم يومئذ ؟ قال : ألْفًا وأربعمائة .

ودعا وبارَك في طعام قليل ، فكَفَى أَلْفَ شخص ، وذلك يومُ الخندق
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : لَمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَمَصًا شَدِيدًا ، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي ، فَقُلْتُ : هَلْ عِنْدَكِ شَيْء ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا ، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي ، وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا ، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : لاَ تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِمَنْ مَعَهُ، فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا ، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ ، فَصَاحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فقال : يَا أَهْلَ الخَنْدَقِ ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا ، فَحَيَّ هَلًا بِهَلّكُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ ، وَلاَ تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ . فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْدُمُ النَّاسَ حتّى جِئْتُ امْرَأَتِي ، فَقَالَتْ : بِكَ وَبِكَ ! فَقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ ، فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ ، ثُم قال : ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلاَ تُنْزِلُوهَا ، وَهُمْ أَلْفٌ ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا ، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ ، وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ . رواه البخاري ومسلم .

قال النووي : وقد تضمن هذا الحديث عَلَمَين مِن أعلام النبوة :
أحدهما : تكثير الطعام القليل .
والثاني : عِلمُه صلى الله عليه وسلم بأنّ هذا الطعام القليل الذي يَكفي في العادة خمسة أنفس أو نحوهم سيكثر فيكفي ألفًا وزيادة ، فَدَعَا له ألْفًا قبل أن يَصِل إليه ، وقد عَلِم أنه صَاعُ شَعِيرٍ وَبُهَيْمَة . اهـ .

وسَبّح الطعام بين يديه صلى الله عليه وسلم
قال ابن مسعود رضي الله عنه : كُنَّا نَعُدُّ الآيَاتِ بَرَكَةً وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا . كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ فَقَالَ : اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ ، فَجَاؤُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ : حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ ، وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهْوَ يُؤْكَلُ. رواه البخاري .
قال ابن حَجَر : أي في عَهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غالِبا . اهـ .

سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (17)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في أنواع مُعجِزاته الْمُتَعَلّقة بِالقُدْرة والفِعل والتأثير :
والنوع السادس :
تأثيرُه في الأحجارِ ، وتصَرُّفُه فيها ، وتسخيرُها له ؛ ففي صحيح البخاري عن أنسٍ قال : صَعِد النبي صلى الله عليه وسلم أُحُدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ، فَرَجَفَ بهم الجبلُ ، فقال : اسكُنْ - وضربه بِرِجْلِه - فليس عليك إلا نبيٌّ ، وصديقٌ ، وشهيدان .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعرفُ حجرًا بمكةَ كان يُسَلِّم عليّ قبل أن أُبْعَثَ ، إني لأعرفه الآن . رواه مسلم .

ورَوَى ابن عَبَّاس رضي الله عنهما : أَنَّ الْمَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ ، فَتَعَاهَدُوا بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الأُخْرَى : لَوْ قَدْ رَأَيْنَا مُحَمَّدًا قُمْنَا إِلَيْهِ قِيَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَمْ نُفَارِقْهُ حَتَّى نَقْتُلَهُ ، قَالَ : فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَبْكِي حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أَبِيهَا ، فَقَالَتْ : هَؤُلاءِ الْمَلأ مِن قَوْمِكَ فِي الْحِجْرِ ، قَدْ تَعَاهَدُوا : أَنْ لَوْ قَدْ رَأَوْكَ قَامُوا إِلَيْكَ فَقَتَلُوكَ ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ قَدْ عَرَفَ نَصِيبَهُ مِنْ دَمِكَ .
قَالَ : " يَا بُنَيَّةُ أَدْنِي وَضُوءًا " ، فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِمُ الْمَسْجِدَ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ ، قَالُوا : هُوَ هَذَا ، هُوَ هَذَا . فَخَفَضُوا أَبْصَارَهُم ، وَعُقِرُوا فِي مَجَالِسِهِمْ ، فَلَمْ يَرْفَعُوا إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ ، وَلَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ رَجُلٌ ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قَامَ عَلَى رُءُوسِهِمْ ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ ، فَحَصَبَهُمْ بِهَا ، وَقَالَ : " شَاهَتِ الْوُجُوهُ " قَالَ : فَمَا أَصَابَتْ رَجُلاً مِنْهُمْ حَصَاةٌ إِلاَّ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا . رواه الإمام أحمد بإسناد حَسَن .
وفي هذا الموقف تَجَلّت شَجاعته صلى الله عليه وسلم ، فإنه لم يَختَبئ عنهم ، ولم يَهرب منهم ، بل استعان بِالله وتَوضأ ، وخَرَج إليهم وَحيدا ، وهُم جَماعة !
وفيه : أن مِقدار قَبضة مِن تُراب أصابَت عددا كبيرا منهم .
وفيه : كِفاية الله عزّ وَجَلّ لِنَبِيِّه صلى الله عليه وسلم ، حيث كَفَاه الله أعداءه .

وسَبّح الحصى في يَدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي أيدي أصحابه
قال أَبو ذَرّ رضي الله عنه : انْطَلَقْتُ أَلْتَمِسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ ، قَالَ أَبُو ذَرّ : وَحَصَيَاتٌ مَوْضُوعَة بَيْنَ يَدَيْه ، فَأَخَذَهُنَّ فِي يَدِهِ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فِي الأَرْضِ فَسَكَتْنَ ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي الأَرْضِ فَخَرَسْنَ ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُمَرَ ، فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي الأَرْضِ فَخَرَسْنَ ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي الأَرْضِ فَخَرَسْنَ . رواه ابن أبي عاصم في " السّنّة " والبَزّار والطبراني في الصغير . وقال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه محمد بن أبي حميد ، وهو ضعيف ، وله طريق أحسن مِن هذا في علامات النبوة ، وإسناده صحيح . اهـ .
وفي رواية : فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سَمِعَ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ فِي كَفِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم .

سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (18)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في أنواع مُعجِزاته الْمُتَعَلّقة بِالقُدْرة والفِعل والتأثير :
النوع السابع :

مِن آياته صلى الله عليه وسلم تأييدُ اللهِ له بملائكته . قال الله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) .
وفي الصحيحين عن سعدِ بنِ أبي وقاص قال : رأيتُ يومَ أُحُدٍ عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن يساره رَجُلين عليهم ثيابٌ بِيضٌ يُقَاتِلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ القِتال ، ما رَأيتهما قبل ذلك اليومِ ولا بَعده . ويَعني جبرائيل وميكائيل عليهما السلام .

ورَوَى ابن عباس عن عُمر بن الخطاب قال: لَمّا كان يوم بَدْر نَظَر رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ : اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي ، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي ، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ ، وَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [(8)الأنفال:9] ، فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلاَئِكَةِ .
قال ابْنُ عَبَّاسٍ : بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ : أَقْدِمْ حَيْزُومُ ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ ، وَشُقَّ وَجْهُهُ ، كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ ، فَجَاءَ الأَنْصَارِيُّ ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : صَدَقْتَ ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ . فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ . رواه مسلم .


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (19)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في أنواع مُعجِزاته الْمُتَعَلّقة بِالقُدْرة والفِعل والتأثير :
النوع الثامن :
في كفايةِ اللهِ له أعداءَه ، وعِصمتِه له مِن الناس ، وهذا فيه آيةٌ لِنُبُوّته صلى الله عليه وسلم مِن وُجوه :
منها : أن ذلك تصديقٌ لِقوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَظ°هًا آخَرَ غڑ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر: 94] ، فهذا إخبارُ الله بأنه يَكْفِيه المشركين المستهزئين .
ومنها : أنه كَفَاه أعداءه بأنواعٍ عجيبةٍ خارجةٍ عن العادةِ المعروفة .
ومنها : أنه نَصَره مع كَثْرَة أعدائه ، وقُوتِهم ، وغَلَبتِهم ، وأنه كان وَحدَه جاهِرا بمعاداتهم ، وسَبِّ آبائهم ، وشَتْمِ آلهتهم ، وتسفيهِ أحلامهم ، والطعنِ في دينهم ، وهذا مِن الأمور الخارقةِ للعادة ، والمستهزئون كانوا مِن أعظم ساداتِ قريش ، وعظماءِ العرب . اهـ .

وقد عَصَمَه الله مِن مَكْر اليهود ، ففي حديث أَنَسٍ ، أَنَّ امْرَأَة يَهُودِيَّة أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَسْمُومَة ، فَأَكَلَ مِنْهَا ، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَتْ : أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ ، قَالَ : مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ ، قَالَ : أَوْ قَالَ : عَلَيَّ . رواه البخاري ومسلم .

وحَفظه الله وحَرَسَه مِن كَيد المشرِكين وبَطشِهم .
قال أَبُو جَهْلٍ : هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّد وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟ فَقِيل : نَعَم ، فقال : وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ ، أَوْ لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَاب ، قَالَ : فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي ، زَعَمَ لِيَطَأَ عَلى رَقَبَتِه ، قال : فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْه وَيَتَّقِي بِيَدَيه ، قال : فَقِيل لَه : مَا لَكَ ؟ فَقَالَ : إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلاً وَأَجْنِحَةً .
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لَوْ دَنَا مِنِّي لاَخْتَطَفَتْه الْمَلاَئِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا . رواه مسلم . ورواه البخاري مُخْتَصرا مِن حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
وهذا فيه : كفايةِ اللهِ لِنَبِيّه صلى الله عليه وسلم أعداءَه ، وعِصْمته له مِن الناس ، وتأييده له بالملائكة .
وعَصَمَ الله رَسُوله مِن مُؤامَرات المشركين . وتقدّم عَزْم المشرِكين على قَتْل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخروجه صلى الله عليه وسلم إليهم ، ورَمْي التراب في وُجوههم .


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (20)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في أنواع مُعجِزاته الْمُتَعَلّقة بِالقُدْرة والفِعل والتأثير :
النوع التاسع :
في إجابةِ دعوتِه ، وإجابةُ الدعاء منه ما تكون إجابتُه مُعتادةٌ لِكثير مِن عبادِ الله كَالإغْنَاء ، والعافية ، ونحو ذلك ، ومنه ما يكون الْمَدعُوّ به مِن خَوَارِق العادات ، كَتَكْثِير الطعام والشراب كثرةً خارجةً عن العادة ، وإطعامُ النّخلِ في العام مَرّتين مع أن العادة في مِثله مَرّة ، وردُّ بَصَرِ الذي عَمِي ، ونحو ذلك .
ومعلومُ أن مَن عوّده الله إجابةَ دعائه لا يكون إلاّ مع صلاحِه ودينِه .
وقد تقدّم دعاؤه للذي ذهَبَ بَصَرُه فأبْصَر ، ودعاؤه في الاستسقاء فمَا رَدّ يَديه إلاّ والسماءُ قد أمْطَرَت، ودعاؤه في الاستصحاء ، وإشارتُه إلى السحاب فتقطّع مِن ساعته ، ودعوتُه على سُراقة بن جُعشم لَمّا تَبِعَهم في الهجرة فغَاصَت فَرَسُه في الأرض ، ودعاؤه يومَ بدر ، ويومَ حُنين .
ودَعَا صلى الله عليه وسلم لأنسٍ رضي الله عنه : " اللهم ارزقه مالا وولدا ، وبارك له فيه " . قال أنسٌ : فإني أكثرُ الأنصار مَالاً ، وحدّثتني ابنتي أُمَيْنَة أنه دُفِن لصُلْبي إلى مَقدَمِ الحَجاجِ البصرةَ بِضع وعشرون ومائة . رواه البخاري .

وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي خَلْدَة قال : قُلْتُ لأَبِي الْعَالِيَة : سَمِعَ أَنَسٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ : خَدَمَهُ عَشْرَ سِنِينَ ، وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ لَهُ بُسْتَانٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الْفَاكِهَةَ مَرَّتَيْنِ ، وَكَانَ فِيهَا رَيْحَانٌ يَجِيءُ مِنْهُ رِيحُ الْمِسْكِ .

وفي صحيح البخاري أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أعطى عُروةَ بنَ الجعدِ البارقيّ دينارا يَشتري له به شاة ، فاشترى له به شاتَين ، فباعَ إحداهما بِدينار وجاءه بدينارٍ وشاة ، فَدَعا له بالبركة في بَيعِه ، وكان لو اشترى التراب لَرَبِحَ فيه .
وخلاصةُ القول : ما قالَه شيخُ الإسلام ابنُ تيمية : وكان يَأتِيهم بالآياتِ الدالةِ على نُبُوّتِه صلى الله عليه وسلم. ومُعجزاتُه تزيد على ألفِ معجزة . اهـ .
(الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح) بتصرف واختصار وزيادةٍ في بعض المواضع .

والنّوع العاشِر – مما لم يَذكره شيخ الإسلام ابن تيمية – : تحقق وَعْده ، وتَصدِيق الله له في حال حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم .
ومن ذلك : أنه أخْبَر بِمَصَارِع أعدائه ، وأشار إلى أماكِن قَتْلِهم ؛ فكان كما أخبر عليه الصلاة والسلام .
قال أنس رضي الله عنه : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يوم بَدْر : هَذَا مَصْرَعُ فُلانٍ ، قَالَ : وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ : هَاهُنَا، هَاهُنَا ، قَالَ : فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم .
قال النووي : قوله : " فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ " أَيْ : تَبَاعَدَ . (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)
والمعنى : أنه ما تجاوز أحدٌ منهم الموضِع الذي حَدّده النبي صلى الله عليه وسلم لِمَقْتلِه فيه وتَوعَّد الْمُشرِك أن يَقْتُله ؛ فَقَتَلَه .

ولَمّا جَاءَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَظْمِ حَائِلٍ ، فَقَالَ : اللَّهُ مُحْيِي هَذَا يَا مُحَمَّدُ وَهُوَ رَمِيمٌ ؟ وَهُوَ يَفُتُّ الْعَظْمَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : يُحْيِيهِ اللَّهُ ، ثُمَّ يُمِيتُكَ ، ثُمَّ يُدْخِلُكَ النَّارَ . قَالَ الزهري : فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَالَ : وَاللَّهِ لأَقْتُلَنَّ مُحَمَّدًا إِذَا رَأَيْتُهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . رواه ابن جرير الطبري في " تفسيره " (11/87) ، وهو مِن مَرَاسيل الزهري .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والنبي صلى الله عليه وسلم كان أكمَل الناس في هذه الشجاعة ، التي هي المقصودة في أئمة الْحَرَب ، ولم يَقتُل بِيدِه إلاّ أُبَيّ بن خَلَف ، قَتَلَه يوم أُحُد ، ولم يَقْتل بِيدِه أحدًا لا قَبْلها ولا بَعدها . (منهاج السنة النبوية) .

وقال ابن القيم : وَأَقْبَلَ أُبَيّ بن خَلَف عَدُوُّ اللَّهِ ، وَهُوَ مُقَنَّعٌ فِي الْحَدِيدِ ، يَقُولُ : لا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا مُحَمَّدٌ ، وَكَانَ حَلَفَ بِمَكَّةَ أَنْ يَقْتُلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَاسْتَقْبَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، فَقُتِلَ مصعب ، وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْقُوَةَ أُبَيّ بن خَلَف مِنْ فُرْجَةٍ بَيْنَ سَابِغَةِ الدِّرْعِ وَالْبَيْضَةِ ، فَطَعَنَهُ بِحَرْبَتِهِ ، فَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ ، فَاحْتَمَلَهُ أَصْحَابُهُ ، وَهُوَ يَخُورُ خُوَارَ الثَّوْرِ ، فَقَالُوا : مَا أَجْزَعَكَ ؟ إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ ، فَذَكَرَ لَهُمْ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . فَمَاتَ بِرَابِغ . (زاد المعاد)

وأما ما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وتحقق وَعْده ، وتَصدِيق الله له ؛ فهو كثير ، ومِنه :
ما رواه الأئمة وتحقق وقوعه :
إخباره صلى الله عليه وسلم عن الكذّابين المدَّعِين للنبوة مِن بعده .
وإخباره صلى الله عليه وسلم عن مَقتَل عثمان رضي الله عنه ، وقد وقَع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم .

وإخباره صلى الله عليه وسلم عن إصلاح الحسن بن علي رضي الله عنهما بين فِئتين عَظيمَتين مِن المسلمين . وقد وَقَع هذا حينما تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة لِمعاوية رضي الله عنه سَنَة 41 مِن الهجرة .

وإخباره صلى الله عليه وسلم عن أسرَع أهله لُحوقا به . كما في صحيح البخاري .

وإخباره صلى الله عليه وسلم عن رجل يكون عطاؤه حَثْيا ؛ فكان عُمر بن عبد العزيز رحمه الله ، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .

وإخباره صلى الله عليه وسلم بِخُروج نار مِن أرض الحجاز ، فَوَقَع ما أخبر به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بأكثر مِن 600 سَنة .
وفي الحديث : لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى . رواه البخاري ومسلم .

وأخبَر عن قوم يَركَبون البَحر ، ودَعا لأُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَان رضي الله عنها أن تكون معهم ؛ فكَانت ، وذلك في زَمن معاوية رضي الله عنه . كما في الصحيحين .
قال الإمام النووي : وفيه معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم ، منها : إخبَاره بِبقَاء أُمّته بعده ، وأنه تكون لهم شَوكة وقُوّة وعَدَد ، وأنهم يَغزُون ، وأنهم يرَكبون البحر وأن أمّ حرام تعيش إلى ذلك الزمان ، وأنها تكون معهم . وقد وُجِد بِحَمد الله تعالى كل ذلك . اهـ .
قال الذهبي : يُقَالُ هَذِهِ غَزْوَةُ قُبْرُسَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَان َ. اهـ .
وكان ذلك في سنة 27 هـ .

وأخبَر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فُتوحات تكون بعده ؛ فكانت .
ففي صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم لِعَدِيّ بن حاتم : يَا عَدِيُّ ، هَلْ رَأَيْتَ الحِيرَةَ ؟ قُلْتُ : لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا ، قَال : فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلاّ اللَّهَ ، - قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي : فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا البِلاَدَ - ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى ، قُلْتُ : كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ؟ قَال : كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلاَ يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ ...
قَالَ عَدِيٌّ : فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ إِلاّ اللَّهَ ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ ، لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو القَاسِمِ: صلى الله عليه وسلم يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ .

وقد عَقَد أبو نعيم الأصبهاني في " دلائل النبوة " فَصْلا قال فيه :
الفصل السادس والعشرون : ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مِن الغيوب فتَحقّق ذلك على ما أخْبَر به في حياته وبعد موته ؛ كالإخبار عن نُموّ أمْره ، وافتتاح الأمصار والبلدان على أُمّته ، والفِتن الكائنة بعده ، وإخباره بِعَدد الخلفاء ومُدّتهم ، والملك العَضوض بعدهم . اهـ .
سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (21)
وقد جَمْع العلماء ما وَقَع لِنبِيّنا صلى الله عليه وسلم أوْ لأحَدٍ مِن أتباعه على مِلّتِه مما يُوافِق آيات الأنبياء الْمَاضِين عليهم الصلاة والسلام . وهذا يدلّ على أن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم ما لَم يُعطِ نَبِيًّا قَبلَه ، وأعطى أمّته ما لم يُعطِ أمّة قبلها ، وهو دالّ على مَنْزِلَة نَبِيّنا صلى الله عليه وسلم ، وعلى كَرَامة هذه الأمّة على الله إذا هي تَمَسّكَت بِدِين الله .

قال ابن كثير : التَّنْبِيهُ عَلَى ذِكْرِ مُعْجِزَاتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُمَاثِلَةٍ لِمُعْجِزَاتِ جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ ، أَوْ أَعْلَى مِنْهَا ، خَارِجًا عَمَّا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ لأَحَدٍ قَبْلَهُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمُ السَّلامُ .
فَمِنْ ذَلِكَ : الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ، فَإِنَّهُ مُعْجِزَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى الآبَادِ ، وَلا يَخْفَى بُرْهَانُهَا ، وَلا يَنْخَفِضُ شَأْنُهَا ، وَقَدْ تَحَدَّى بِهِ الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ أَوْ بِعَشْرِ سُوَرٍ أَوْ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ، فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ .
وَقَدْ سَبَقَ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَى إِخْرَاجِهِ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ أُوتِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا آمَنَ عَلَى مِثْلِهِ الْبَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ أُوتِيَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ مَا يَقْتَضِي إِيمَانَ مَنْ رَأَى ذَلِكَ مِن أُولِي الْبَصَائِرِ وَالنُّهَى ، لا مِنْ أَهْلِ الْعِنَادِ وَالشَّقَاءِ ، " وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ " ، أَيْ : جُلُّهُ وَأَعْظَمُهُ وَأَبْهَرُهُ : الْقُرْآنُ الَّذِي أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لا يَبِيدُ وَلا يَذْهَبُ كَمَا ذَهَبَتْ مُعْجِزَاتُ الأَنْبِيَاءِ وَانْقَضَتْ بِانْقِضَاءِ أَيَّامِهِمْ فَلا تُشَاهَدُ ، بَلْ يُخْبَرُ عَنْهَا بِالتَّوَاتُرِ أَوِ الآحَادِ ، بِخِلافِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، فَإِنَّهُ مُعْجِزَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ ، مُسْتَمِرَّةٌ دَائِمَةُ الْبَقَاءِ بَعْدَهُ ، مَسْمُوعَةٌ لِكُلٍّ مَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ .
وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كَرَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ مُعْجِزَاتٌ لِلأَنْبِيَاءِ ؛ لأَنَّ الْوَلِيَّ إِنَّمَا نَالَ ذَلِكَ بِبَرَكَةِ مُتَابَعَتِهِ لِنَبِيِّهِ ، وَثَوَابِ إِيمَانِهِ بِهِ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وَكَرَامَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهُ إنَّمَا حَصَلَتْ بِبَرَكَةِ اتِّبَاعِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَدْخُلُ فِي مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . اهـ .

وقال ابن كثير : قال شيخنا العلامة أبو المعالي محمد بن علي الأنصاري ابن الزّمْلَكَاني ، ومِن خطّه نَقَلتُ : وبيان أن كُلّ مُعجِزة لِنَبِيّ فَلِنَبِيّنا صلى الله عليه وسلم مِثلها أو أتَمّ ، يَستدعي كلاما طويلا وتفصيلا لا يَسَعه مجلّدات عديدة ، ولكن نُنَبّه بالبعض على البعض ، فلنذكر جلائل مُعجزات الأنبياء عليهم السلام .

سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (22)

القول فيما أُوتِي نوح عليه السلام :
فمِنها نجاة نوح في السفينة بالمؤمنين ، ولا شك أن حَمْل الماء للناس مِن غير سفينة أعظم مِن السلوك عليه في السفينة .
وفي قِصة العلاء بن الحضرمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك .
قال سَهم بن مِنْجَاب: غَزونا مع العَلاء بن الحضرمي دَارِين ، فَدَعا بثلاث دعوات فاستُجِيبَت له ، فَنَزَلْنا مَنْزلا فَطَلب الماء فلم يَجده ، فقام فصلى ركعتين وقال : اللهم إنا عَبِيدك ، وفي سبيلك ، نُقَاتِل عدوك ، اللهم اسْقِنا غَيثًا نتوضأ به ونَشْرَب ، ولا يكون لأحدٍ فيه نَصيب غيرنا . فَسِرنا قليلا فإذا نحن بماء حين أقلعت السماء عنه ، فتوضأنا منه وتَزَوّدْنا ، ومَلأتُ إدَاوتي وتَرَكْتُها مَكانها حتى أنظر هل استُجِيب له أم لا ؟
فَسِرْنا قليلا ثم قلت لأصحابي : نَسيتُ إدَاوتي ! فَرَجَعت إلى ذلك المكان فكأنه لم يُصبه ماء قط .
ثم ِسِرنا حتى أتينا دَارِين والبحر بيننا وبينهم ، فقال : يا عَليم يا حَليم يا عليّ يا عظيم ، إنا عَبيدك ، وفي سبيلك ، نُقَاتِل عدوّك ، اللهم فاجْعل لنا إليهم سبيلا . فَدَخَلنا البحر فلم يبلغ الماء لُبُودَنا ، ومَشَينَا على مَتْن الماء ولم يَبْتَلّ لنا شيء . وذكر بقية القصة .
قال : فهذا أبلغ مِن رُكوب السفينة ؛ فإن حَمْل الماء للسفينة مُعتاد .
وأبلغ مِن فَلْق البحر لموسى ؛ فإن هناك انحسر الماء حتى مَشَوا على الأرض ، فالْمُعْجِز انحسار الماء ، وها هنا صار الماء جَسَدا يَمْشُون عليه كالأرض ، وإنما هذا منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبَرَكَته .
قصة أخرى شَبِيهة بذلك :
رَوى البيهقي من طريق أبي النّضْر عن سليمان بن المغيرة أن أبا مُسلم الخولاني جاء إلى دِجْلة وهي تَرمي الخشب مِن مَدّها ، فَمَشَى على الماء ، والْتَفَت إلى أصحابه وقال : هل تَفقدون مِن مَتَاعِكم شيئا ؟ فنَدعو الله تعالى . ثم قال : هذا إسناد صحيح .
ثم أوْرد ابن كثير أمثلة أخرى ، ثم قال :
فهذه الكرامات لهؤلاء الأولياء هي مِن مُعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما تَقدّم تقريره ؛ لأنهم إنما نَاُلوا ذلك بِبَرَكة مُتَابَعته ، ويُمْن سِفَارته ، إذْ فيها حُجّة في الدِّين ، وحاجَة أكيدة للمسلمين ، وهي مُشابِهة لِمُعجِزة نوح عليه السلام في مَسِيرِه فوق الماء بالسفينة التي أمَرَه الله تعالى بِعَمَلها ، ومُعجزة موسى عليه السلام في فَلْق البَحر ، وهذه فيها ما هو أعجب من ذلك مِن جهة مَسيرهم على مَتن الماء مِن غير حائل حامِل ، ومِن جِهة أنه ماء جارٍ والسير عليه أعجب مِن السير على الماء القارّ الذي يُجاز ، وإن كان ماء الطوفان أطمّ وأعظم، فهذه خارق ، والخارق لا فَرق بين قليله وكثيره ، فإن مَن سَلَك على وجه الماء الخضَمّ الجارِي العَجَاج ، فلم يَبْتَلّ مِنه نِعال خيولهم ، أو لم يَصِل إلى بطونها ، فلا فَرق في الخارق بين أن يكون قامَة أو ألف قامَة ، أو أن يكون نهرا أو بحرا ، بل كونه نهرا عَجَاجا كالبَرق الخاطِف والسيل الجارِف : أعظم وأغرب .


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (23)
القول فيما أُوتِي هود عليه السلام :
قال أبو نعيم ما معناه : إن الله تعالى أهلَك قومه بالرِّيح العقيم ، وقد كانت رِيح غَضَب ، ونَصَر الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بالصَّبَا يوم الأحزاب ، كما قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) .

القول فيما أُوتِي صالح عليه السلام :
قال أبو نعيم : فإن قيل : فقد أخرَج الله لِصَالح ناقة مِن الصّخْرة جَعَلها الله له آية وحُجّة على قومه ، وجَعَل لها شِرب يوم ولهم شِرب يوم معلوم . قلنا : وقد أعطى الله محمدا صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، بل أبلغ ؛ لأن ناقة صالح لم تُكلّمه ولم تشهد له بالنبوّة والرسالة ، ومحمد صلى الله عليه وسلم شَهِد له البَعير النادّ بالرِّسالة ، وشَكى إليه ما يَلْقَى مِن أهلِه ، مِن أنهم يُجِيعونه ويُدْئِبُونَه ..
وثبت الحديث في الصحيح بتسليم الْحَجَر عليه قَبل أن يُبْعَث ، وكذلك سَلام الأشجار والأحجار والْمَدَر عليه حين بُعِث صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين . (البداية والنهاية)


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (24)
القول فيما أُوتِي إبراهيم الخليل عليه السلام :
قال ابن كثير : قال شيخنا العلامة أبو المعالي بن الزّمْلَكاني رحمه الله وبَلّ بالرحمة ثَرَاه : وأمّا خُمود النار لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فقد خَمَدَت لِنَبِيّنا صلى الله عليه وسلم نار فارِس - ولم تَخَمد قبل ذلك بألف عام - لِمَوْلِده صلى الله عليه وسلم وبينه وبين بِعثته أربعون سنة ، وخَمَدت نار إبراهيم لِمُبَاشَرَته لها ، وخَمَدت نار فارس لِنَبِيّنَا صلى الله عليه وسلم وبينه وبينها مَسَافة أشهر .
ثم قال شيخنا : مع أنه قد أُلْقِي بعض هذه الأمّة في النار ، فلم تُؤثّر فيه بِبَركة نَبِيّنا صلى الله عليه وسلم ، منهم : أبو مسلم الخولاني . قال : تَنَبّأ الأسود بن قيس العَنْسيّ باليَمَن ، فأرسل إلى أبي مسلم الخولاني فقال له : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم . قال : أتشهد أني رسول الله ؟ قال : ما أسمع . فأعاد عليه ، فقال : ما أسمع ! فأمَر بِنَارٍ عظيمة فأُجّجِت ، وطُرِح فيها أبو مسلم فلم تَضُرّه . فقيل له : لئن تركتَ هذا في بلادك أفسَدها عليك . فأمَرَه بالرّحيل ، فقدِم المدينة وقد قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستُخلِف أبو بكر ، فقام إلى سارية مِن سواري المسجد يُصَلّي ، فبَصُر به عُمر فقال : مِن أين الرَّجل ؟ قال : مِن اليَمَن . قال : ما فعل عدو الله بِصَاحِبنا الذي حَرَقه بالنار ، فلم تَضرّه ؟ قال : ذاك عبد الله بن ثُوَب . قال : نَشَدْتُك بالله أنت هو ؟ قال : اللهم نعم . قال : فاعتَنَقه ثم بَكَى ، ثم ذهب به حتى أجْلَسَه بينه وبين أبي بكر الصديق ، وقال : الحمد لله الذي لم يُمْتِني حتى أرَاني في أُمّة محمد صلى الله عليه وسلم مَن فُعِل به كما فُعِل بإبراهيم خَليل الرحمن عليه السلام .
ورَوى الحافظ ابن عساكر أيضا مِن غير وَجه عن إبراهيم بن دُحيم : حدثنا هشام بن عمّار حدثنا الوليد أخبرني سعيد بن بشير عن أبي بِشر جعفر بن أبي وَحشيّة أن رَجُلا مِن خولان أسْلَم ، فأراده قومه على الكُفر ، فألْقَوه في نار فلم يَحْتَرِق مِنه إلاّ أُنْمُلة لم يكن فيما مَضى يُصِيبها الوضوء ، فقَدِم على أبي بكر فقال : استَغْفِر لي قال : أنت أحق . قال أبو بكر : إنك أُلْقِيَت في النار فلم تَحْتَرِق . فاستَغْفَرَ له ، ثم خرج إلى الشام ، فكانوا يُشَبّهونَه بِإبراهيم عليه السلام .
وهذا الرَّجُل هو أبو مُسلم الخولاني ، وهذه الرواية بهذه الزيادة تحقق أنه إنما نَالَ ذلك بِبَركة مُتَابَعته الشريعة الْمُحَمّدِيّة الْمُطَهَّرَة الْمُقَدَّسَة ، كما جاء في حديث الشفاعة : " وحَرَّم الله على النار أن تأكُل مَوَاضِع السّجُود " . وقد نَزَل أبو مسلم بِدَارِيّا ِمِن غربي دمشق ، وكان لا يَسبقه أحدٌ إلى المسجد الجامع بِدمشق وقت الصبح ، وكان يُغازِي في بلاد الرّوم ، وله أحوال وكَرَامات كثيرة جدا .

وأما الحافظ أبو نعيم فإنه قال : فإن قيل : فإن إبراهيم خُصّ بِالْخُلّة مع النبوّة . قيل : فقد اتّخذ الله محمدا خَليلا وحَبِيبًا ، والحبيب ألْطَف مِن الخليل . ثم ساق من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت مُتّخِذًا خَلِيلا لاتّخَذْتُ أبا بكر خليلا، ولكن صَاحِبكم خَليل الله .

ثم قال أبو نعيم : فإن قيل : إن إبراهيم عليه السلام حُجِب عن نَمْرُود بِحُجُب ثلاثة . قيل : فقد كان كذلك ، وحُجِب محمد صلى الله عليه وسلم عمّن أرادُوا قَتْله بِخَمْسَة حُجُب ، قال الله تعالى في أمْرِه : (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ، فهذه ثلاث ، ثم قال : (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا) ، ثم قال : (فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) . فهذه خَمْسَة حُجُب .
وذكر ابن حامد في مقابَلَة حُسن يوسف عليه السلام ، ما ذُكِر مِن جَمَال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَهَابَته وحَلاوَته شَكْلا ونُطْقا وهَدْيا ودَلاًّ وسَمْتًا .
(البداية والنهاية)


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (25)
القول فيما أُوتِي موسى عليه السلام مِن الآيات البيّنات :
وأعظَمهن تسع آيات ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) .
والجمهور على أنها هي العَصا في انقلابها حيّة تَسعَى ، واليد إذا أدخل يَده في جَيب دِرْعه ثم أخرجها تُضيء كَقِطعة قَمر يتلألأ إضاءة ، ودعاؤه على قوم فرعون حين كَذّبوه فأرْسَل عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات .
وكذلك أخذهم الله بالسِّنِين ، وهي نقص الحبوب ، وبالجدب ، وهو نقص الثمار .
وبالموت الذريع ، وهو نقص الأنفس ، وهو الطوفان في قول .
ومنها فَلْق البَحر لإنجاء بني إسرائيل وإغراق آل فرعون .
ومنها تظليل بني إسرائيل في التيه بالغمام ، وإنزال الْمَنّ والسّلْوى عليهم .
واستسقاؤه لهم ، فجعل الله ماءهم يخرج مِن حَجر يُحْمَل معهم على دابة ، له أربعة وجوه ، إذا ضَرَبَه موسى بِعَصاه يَخرُج مِن كل وَجه ثلاثة أعين ، لكل سِبْط عَين ، ثم يَضْرِبه فيُقْلِع .
وقَتْل كل مَن عَبَدَ العِجل منهم ثم أحياهم الله تعالى .
وقِصة البَقرة ، إلى غير ذلك مِن الآيات الباهرات .
وأمّا العَصا ؛ فقال شيخنا العلامة ابن الزّمْلَكاني : وأما حَيَاة عصا موسى ؛ فقد سَبّح الْحَصَا في كَفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جَمَاد ، والحديث في ذلك صحيح ... وفيه : أنهن سَبّحن في كَفّ أبي بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، كما سَبّحن في كَفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هذه خلافة النبوة " .
وأصحّ من هذا كله وأصرح حديث البخاري عن ابن مسعود قال : كُنّا نَسْمَع تَسبيح الطعام وهو يُؤكَل .
قال شيخنا : وكذلك قد سَلّمت عليه الأحجار . قلت : وهذا قد رواه مسلم عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعرف حجرا كان يسلم علي بمكة قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن " . قال بعضهم : هو الحجر الأسود .
قال : وأما حَنين الْجِذع الذي كان يَخطب إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فعُمِل له المنبر ، فلمّا رَقِيَ عليه وخطب ، حَنّ الجذع إليه حَنِين العِشَار ، والناس يسمعون صوته بمشهد الْخَلْق يوم الجمعة ، ولم يَزل يَئِنّ ويَحِنّ حتى نزل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاعتنقه وسَكّنه .. فهو حديث مشهور معروف ، قد رواه من الصحابة عدد كثير متواتر ، وكان بحضور الخلائق .
قال شيخنا : فهذه جمادات ونباتات ، وقد حَنَّتْ وتَكلّمتْ ، وفي ذلك ما يُقابل انقلابَ العصَا حَيّة .

وأوْرَد ابن كثير قولَ الإمام الشافعي : ما أعطى الله نَبِيًّا ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم . فقيل له : أعطى عيسى إحياءَ الموتى . فقال : أعطى محمدًا صلى الله عليه وسلم الجذعَ الذي كان يخطب إلى جَنبه ، حين هُيئ له المنبرُ : حَنّ الجذعُ حتى سُمع صوتُه ، فهذا أكبرُ من ذاك .
ثم قال ابن كثير : والمراد مِن إيراد ما نَذكره في هذا الباب : التّنْبِيهُ على شَرفِ ما أعطَى الله أنبياءه عليهم السلام مِن الآياتِ البيّنات ، والخوارقِ القاطعاتِ ، والحججِ الوَاضِحاتِ ، وأن الله تعالى جَمَع لِعَبده ورسولِه سَيّدِ الأنبياء وخاتَمِهِم مِن جميع أنواع المحاسِن والآيات ، مع ما اختَصّه الله به مما لم يُؤتِ أحدًا قَبله ....
وإنما قال [يعني : الإمام الشافعي] : فهذا أكْبَر مِن ذلك ؛ لأن الجذعَ ليس مَحَلّا للحَياة ، ومع هذا حصل له شعورٌ وَوَجْدٌ ، لَمّا تَحوّل عنه إلى المنبرِ فَأنَّ وحَنّ حَنينَ العِشَار حتى نَزل إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاحتَضَنَه وسَكَّنه حتى سَكَن .
قال الحسن البصري : فهذا الجذعُ حنّ إليه ، فإنهم أحقُّ أن يَحِنّوا إليه .
وأما عودُ الحياة إلى جسدٍ كانت فيه بإذنِ الله فعظيم ، وهذا أعجبُ وأعظم مِن إيجاد حياة وشعور في مَحَلٍّ ليس مألُوفًا لذلك لم تكن فيه قَبْل بِالكُلِّيَّة . فسبحان الله ربّ العالمين .

قال شيخنا : وأما أن الله كَلّم موسى تكليما ، فقد تقدم حصول الكلام للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء فيَشْهَد له : " فنُودِيت : أن يا محمد ، قد كَمّلت فَرِيضَتي ، وخَفّفتُ عن عبادي " . وسياق بَقية القصة يُرشِد إلى ذلك ، وقد حَكَى بعض العلماء الإجماع على ذلك ، لكن رأيت في كلام القاضي عياض نَقل خلاف فيه ، والله أعلم .

وقال ابن حامد : قال الله تعالى لموسى : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) . وقال لِمُحمّد : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .

وأما اليَد التي جَعلها الله بُرهانا وحُجّة لموسى على فرعون وقومه ، كما قال تعالى بعد ذكر صَيْرُورة العَصَا حَيّة : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ)
فقد أعطى الله محمدا انشقاق القَمر بإشارته إليه فِرقَتين ، فِرقة مِن وراء جَبل حِراء ، وأخرى أمامه ، كمَا تقدّم بيان ذلك بالأحاديث المتواترة مع قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) ، ولا شك أن هذا أجل وأعظم وأبْهَر في المعجزات ، وأعَمّ وأظهر وأبلَغ مِن ذلك .
وقد ذَكَرنا في السيرة عند إسلام الطُّفيل بن عَمرو الدوسي أنه طَلَب مِن النبي صلى الله عليه وسلم آية تكون له عَونًا على إسلام قومه ، فدعا له وذهب إلى قومه ، فلمّا أشرف على قومه مِن ثَنِيّة هناك ، فَسَطَع نُور بَين عَينَيه كالمصباح ، فقال : اللهم في غير هذا الموضع ؛ فإنهم يَظنّونه مُثْلَة ، فَتَحَوّل النور إلى طَرَف سَوطِه ، فجعلوا ينظرون إليه كالمصباح ، فهداهم الله على يديه بَبَرَكة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدعائه لهم في قوله : اللهم اهدِ دَوْسًا ، وأتِ بهم ، وكان يُقال للطفيل : ذو النور لِذلك .
وذكر أيضا حديث أُسيد بن حُضير وعبّاد بن بِشر في خروجهما من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مُظلمة فأضَاء لهما طَرَف عَصا أحدهما ، فلما افترقا أضاء لكل واحد منهما طَرَف عصاه ، وذلك في صحيح البخاري وغيره .

وأما دعاؤه عليه السلام بِالطُّوفَان ، وهو الموت الذريع في قول ، وما بعده من الآيات والقَحط والْجَدْب ؛ فإنما كان ذلك لعلهم يرجعون إلى مُتَابَعَته ، ويُقلِعون عن مُخَالَفته ، فما زادهم إلاّ طغيانا كبيرا . قال الله تعالى : (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ)
وقد دَعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش حين تَمادوا على مُخالفته ِبسَبع كَسَبع يوسف ، فقُحِطوا حتى أَكَلُوا كُلّ شيء ، وكان أحدهم يَرى بينه وبين السماء مثل الدّخان مِن الجوع .

وأما فَلْق البحر لموسى عليه السلام حين أمَره الله تعالى - حين تَراءى الجمْعَان - أن يَضرب البَحر بِعَصَاه فانْفَلَق فكان كل فِرق كالطّود العظيم ، فإنه معجزة عظيمة بَاهِرة ، وحُجّة قاطِعة قاهِرة .
وفي إشارته صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة إلى قَمَر السماء ، فانْشقّ فِلْقَتين وَفق ما سَألَته قريش وهُم معه جُلوس ، في ليلة البَدْر ، أعظم آية ، وأيْمَن دلالة ، وأوضح حُجّة ، وأبْهَر بُرهان على نبوته ووَجَاهته عند الله تعالى ، ولم ينُقْلَ معجزة عن نَبيّ مِن الأنبياء مِن الآيات الحسيات أعظم مِن هذا .
وهذا أعظم مِن حَبْس الشمس قليلا لِيوشع بن نُون حتى تمكّن من الفتح ليلة السبت .
وقد تقدّم مِن مَسِير العلاء بن الحضرمي ، وأبي عبيد الثقفي ، وأبي مسلم الخولاني ، وسائر الجيوش التي كانت معهم على تيّار الماء ، ومنها دِجلة وهي جارِية عجّاجة تَقذِف بالخشَب مِن شِدّة جَرْيها ، وتقدم تقرير أن هذا أعجب مِن فَلْق البحر لموسى مِن هذه الوجوه ، والله أعلم .

وأما تَظْلِيله بالغَمَام في التِّيه ، فقد تقدّم ذِكر حديث الغمَامة التي رآها بَحِيرى تُظلّه مِن بين أصحابه ، وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، صُحبَة عمِّه أبي طالب ، وهو قاصِد الشام في تجارة ، وهذا أبْهَر مِن جِهة أنه كان وهو قَبل أن يُوحَى إليه ، وكانت الغَمَامة تُظلّه وَحده مِن بين أصحابه ، فهذا أشدّ في الاعتناء ، وأظهر مِن غَمام يُظِلّ بني إسرائيل وغيرهم . وأيضا فإن المقصود مِن تظليل الغَمام إنما كان لاحتِيَاجِهم إليه مِن شِدّة الحرّ ، وقد ذكرنا في الدلائل حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم لِيُسْقَوا لِمَا هم فيه مِن الجوع والجهد والقحط ، فرفع يديه وقال : " اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا " . قال أنس : ولا والله ما نَرى في السماء مِن سَحاب ولا قَزَعة ، وما بيننا وبين سَلْع مِن بيت ولا دار ، فأنشأت مِن وَرائه سَحَابة مثل التُّرْس ، فلمّا تَوسّطت السماء انتَشرت ثم أمْطَرَت . قال أنس : فلا والله ما رأينا الشمس سَبْتًا . ولَمّا سَألوه أن يَسْتَصْحِي لهم ، رَفَع يَدَه وقال : " اللهم حَوَالَينا ولا عَلينا " . فمَا جَعل يشير بيديه إلى ناحية إلاّ اْنجَاب السَّحَاب ، حتى صارت المدينة مثل الإكْلِيل، يُمْطَر ما حولها ولا تُمْطَر . فهذا تظليل غَمَام محتاج إليه آكَد مِن الحاجة إلى ذلك ، وهو أنفع منه ، والتصَرّف فيه وهو يَشير أبلغ في المعجِز ، وأظهر في الاعتناء ، والله أعلم .
وأما إنْزَال الْمِنّ والسَّلْوى عليهم فقد كَثّر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام والشراب في غير ما مَوْطن ، كما تقدم بيانه في دلائل النبوة مِن إطعامه الجم الغفير مِن الشيء اليسير ، كما أطعم يوم الخندق مِن شُوَيْهَة جابر بن عبد الله وصاعِه الشعير أزيدَ مِن ألفِ نفس جائعة ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين . وأطعَم مِن جَفْنة فِئامًا مِن الناس ، وكانت تُمَدّ مِن السماء ، إلى غير ذلك مِن هذا القَبيل مما يَطول ذِكْره .
وقد ذَكر أبو نعيم وابن حامد أيضا ها هنا أن المراد بِالْمَنّ والسَّلوى إنما هو رِزْق رُزِقُوه مِن غير كَدّ منهم ولا تَعَب ، ثم أورد في مُقَابَلته حديث تحليل المغانِم ولم تُحلّ لأحدٍ قَبْلَنا ، وحديث جابر في سَرِيّة أبي عبيدة وجُوعهم حتى أكلوا الْخَبَط ، فَحَسَر البحر لهم عن دابة تُسمّى العَنْبَر ، فأكَلُوا منها ثلاثين مِن بين يوم وليلة حتى سَمِنُوا وتَكَسّرت عُكَن بُطونهم . والحديث في " الصحيح " .

وأما قوله تعالى : (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ) .
وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في وَضْع النبي صلى الله عليه وسلم يَدَه في ذلك الإناء الصغير الذي لم يَتّسع لبَسْطها فيه ، فجَعل الماء يَنبع مِن بين أصابعه أمثال العيون ، وكذلك كثر الماء في غير ما مَوْطِن ، كَمَزَادَتي تلك المرأة ، ويوم الحديبية ، وغير ذلك ، وقد استسقى الله لأصحابه في المدينة وغيرها ، فأُجِيب طِبق السؤال وَوفق الحاجة لا أزيد ولا أنقص، وهذا أبْلَغ في الْمُعْجِز . ونبع الماء من بين أصابعه من نفس يده - على قول طائفة كثيرة من العلماء - أعظم مِن نَبع الماء مِن الحجر ، فإنه مَحلّ لذلك .


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (26)
القول فيما أُعْطِي إدريس عليه السلام من الرفعة التي نَوّه الله بِذِكرها فقال : (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) :
قال : والقَول فيه أن نَبِيّنا محمدا صلى الله عليه وسلم أُعْطِي أفضل وأكمل مِن ذلك ؛ لأن الله تعالى رَفَع ذِكْرَه في الدنيا والآخرة فقال : (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) . فليس خَطيب ولا شَفيع ولا صاحِب صلاة إلاّ يُنادِي بها : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله . فَقَرَن الله اسمه بِاسْمِه في مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك مفتاحا للصلاة المفروضة .
وتقدّم الكلام عن رَفْع الله لِنَبِيِّه صلى الله عليه وسلم ذِكْره .

فأما التّنْوِيه بِذِكْرِه في الأمم الخالية ، والقرون السالفة ... فـ بَشّرت به الأحبَار والرّهبان والكُهّان .
ولَمّا كانت ليلة الإسراء رُفِع مِن سَمَاء إلى سَمَاء حتى سَلّم على إدريس عليه السلام ، وهو في السماء الرابعة ، ثم جَاوَزه إلى الخامسة ، ثم إلى السادسة ، فَسَلّم على موسى بها ، ثم جَاوَزه إلى السابعة فَسَلّم على إبراهيم الخليل بها عند البيت الْمَعْمُور ، ثم جَاوَز ذلك المقام ، فَرُفِع لِمُسْتَوى يَسْمَع فيه صَرِيف الأقلام ، وجاء سِدرة المنْتَهى ، ورأى الجنة والنار ، وغير ذلك من الآيات الكبرى ، وصلّى بالأنبياء ، وشَيّعَه مِن كُلّ سَمَاء مُقَرّبُوها ... فهذا هو الشَّرَف ، وهذه هي الرِّفْعَة ، وهذا هو التكريم والتّنْوِيه والإشهار والتقديم والعُلوّ والعَظَمة ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله أجمعين .
وأما رَفْع ذِكْره في الآخرين ؛ فإن دِينه بَاقٍ ناسِخ لكلّ دِين ، ولا يُنْسَخ هو أبَد الآبِدين ، ودَهْر الدَّاهِرين إلى يوم الدّين ، ولا تزال طائفة مِن أمّته ظاهرين على الحق ، لا يَضرّهم مَن خَذَلهم ولا مَن خَالَفهم حتى تقوم الساعة .


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (27)
القَول فيما أُوتِي داود عليه السلام :
قال الله تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) ، وقال تعالى : (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) .
وقد ذكرنا في قصته عليه السلام ، وفي " التفسير " طِيب صَوتِه عليه السلام ، وأن الله تعالى كان قد سَخّر له الطير تُسبّح معه ، وكانت الجبال أيضا تُجِيبه وتُسّبح معه ، وكان سريع القراءة ؛ كان يأمُر بِدَوابّه فتُسْرَج فيَقرأ الزبور بمقدار ما يُفرَغ مِن شأنها ثم يَركب ، وكان لا يأكل إلاّ مِن كَسب يَده صلوات الله وسلامه عليه ، وقد كان نَبِيّنا صلى الله عليه وسلم حَسَن الصوت طَيّبه بتلاوة القرآن ، وكان يقرأ تَرْتَيلاً كما أمَره الله عزّ وجلّ بذلك .
وأما تَسبيح الطير مع داود ، فتَسبِيح الجبال الصُّمّ الجمَاد أعجَب مِن ذلك ، وقد تقدم في الحديث أن الحصَا سَبّح في كَفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن حامد : وهذا حديث معروف مشهور . وكانت الأحجار والأشجار والْمَدَر تُسلِّم عليه صلى الله عليه وسلم .
وفي " صحيح البخاري " عن ابن مسعود قال : " لقد كنا نَسمَع تَسبيح الطعام وهو يؤُكَل " . يعني بين يَديّ النبي صلى الله عليه وسلم .
وكَلّمَه ذِراع الشاة المسمُومة ، وأعلَمه بما فيه مِن السُّمّ .
وشَهِدت بِنُبُوّته الحيوانات الإنسية والوحشية ، والجمادات أيضا .
ولا شك أن صُدور التسبيح مِن الحصا الصغار الصّمّ التي لا تجاويف فيها أعجب مِن صدور ذلك من الجبال ، لِمَا فيها مِن التجاويف والكهوف ، فإنها وما شاكلها تُردد صَدى الأصوات العالية غالبا ، كما كان عبد الله بن الزبير إذا خَطب - وهو أمير المؤمنين - بالحرم الشريف ، تُجَاوِبه الجبال ؛ أبو قُبَيس وزُرْزُر ، ولكن مِن غير تسبيح ، فإن ذلك مِن مُعجزات داود عليه السلام ، ومع هذا فَتَسبيح الحصَا في كَفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أعجب .
وقال أبو نعيم : فإن قيل : سُخِّرت له الطير [أي : لِداود] ، فقد سُخِّرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع الطير البهائم العظيمة ؛ الإبل فما دونها ، وما هو أعسَر وأصعب مِن الطير ؛ السِّبَاع العادِية الضّارِية ، تَتَهَيّبه وتَنقَاد إلى طاعته ؛ كَالذّئب الذي نَطَق بِنُبُوّته والتصديق بِدعوته ورسَالته .
وقال أبو نعيم : فإن قيل : فقد لَيّن الله لِدَاود عليه السلام الحديد حتى سَرَد منه الدّروع السّوابغ .
قيل : لُيِّنَت لمحمد صلى الله عليه وسلم الحجارة وصُمّ الصخور ، فعادَت له غَارا اسْتَتَر به ِمن المشركين يوم أُحُد مَالَ بِرَأسه إلى الجبَل ليُخفِي شَخصَه عنهم ، فَلَيّن الله له الجبل حتى أدخل فيه رأسه ، وهذا أعجب ؛ لأن الحديد تُلَيّنه النار ، ولم نَرَ النار تُلَيِّن الْحَجَر .
قال : وكذلك في بعض شِعاب مكة حَجَر مِن جبل أصَمّ ، استَرْوح في صلاته إليه ، فَلاَنَ الحجَر له حتى أثّر فيه بِذِراعيه وسَاعِديه ، وذلك مَشهور يَقصده الحجّاج ويَرَونَه .


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (28)
القَول فيما أُوتِي سليمان بن داود عليه السلام :
قال الله تعالى : (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ) .
وأمّا تسخير الرِّيح لِسُليمان ؛ فقد قال الله تعالى في شأن الأحزاب : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) ، وقد تقدم في الحديث الذي رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نُصِرْتُ بِالصَّبَا ، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُّورِ .
وثبت في " الصحيحين " : " نُصِرْتُ بِالرُّعْب مَسِيرة شَهْر " . ومعنى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قَصَد قِتال قوم من الكفار ، ألْقَى الله الرُّعبَ في قلوبهم منه قبل وُصوله إليهم بِشَهر ، ولو كان مَسِيره شهرا ، فهذا في مقابلة : (غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) ، بل هذا أبلغ في التمكين والنصر والتأييد والظَّفَر ، وسُخِّرَت له الرِّياح تَسوق السَّحَاب لإنزال المطر الذي امْتَنّ الله به حين استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في غير ما موطن .
وقال أبو نعيم : فإن قيل : فإن سُليمان سُخِّرت له الرّيح فسَارت به في بلاد الله ، وكان غدوها شهرا ورَواحها شهرا . قيل : ما أعطي محمد صلى الله عليه وسلم أعظم وأكبر ؛ لأنه سَارَ في ليلة واحدة مِن مكة إلى بيت المقدس مَسيرة شهر ، وعُرِج به في مَلكوت السماوات مَسيرة خمسين ألف سنة في أقل مِن ثُلث ليلة ، فَدَخل السماوات سماء سماء ، ورأى عجائبها ، ووقف على الجنة والنار ، وعُرِض عليه أعمال أُمّته ، وصَلى بالأنبياء وبملائكة السّماوات ، واختَرَق الْحُجُب ، وهذا كله في ليلة . فأيّمَا أكبر وأعجب ؟!

وأما تَسخِير الشياطين بين يديه [أي : سليمان] تَعمل ما يشاء مِن مَحَاريب وتَمَاثِيل وجِفَان كَالْجَوَاب وقُدُور رَاسِيات ؛ فقد أنزل الله الملائكة المقرّبين لِنُصْرة عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم في غير ما مَوْطِن : يوم أُحُد ، وبَدر ، ويوم الأحزاب ، ويوم حُنين . وذلك أعظم وأبْهَر وأجلّ وأعلى مِن تسخير الشياطين .
وفي " الصحيحين " مِن حَديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن عِفْرِيتًا مِن الجن تَفَلّت عليّ البارحة - أو كَلِمَة نَحْوَهَا - لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي .
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوُهُ، قَالَ : " ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ ، وَاللَّهِ لَوْلا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لأَصْبَحَ مُوَثَّقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ وَالْمَسَانِيدِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : " إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ " ، وَفِي رِوَايَةٍ " مَرَدَةُ الْجِنِّ ". فَهَذَا مِنْ بَرَكَةِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ .
وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ، فَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ ، وَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَحَذَّرُوهُمْ مُخَالَفَتَهُ ؛ لأَنَّهُ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى الإِنْسِ وَالْجِنِّ ، فَآمَنَتْ طَوَائِفُ مِنَ الْجِنِّ كَثِيرَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَوَفَدَتْ إِلَيْهِ مِنْهُمْ وُفُودٌ كَثِيرَةٌ ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ " الرَّحْمَنِ " ، وَخَبَّرَهُمْ بِمَا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ مَنِ الْجِنَانِ ، وَمَا لِمَنْ كَفَرَ مِنَ النِّيرَانِ ، وَشَرَعَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ وَمَا يُطْعِمُونَ دَوَابَّهُمْ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَيَّنَ لَهُمْ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْبَرُ .
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ هَا هُنَا حَدِيثَ الْغُولِ الَّتِي كَانَتْ تَسْرِقُ التَّمْرَ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ صلى الله عليه وسلم ، وَيُرِيدُونَ إِحْضَارَهَا إِلَيْهِ فَتَمْتَنِعُ كُلَّ الامْتِنَاعِ ؛ خَوْفًا مِنَ الْمُثُولِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ افْتَدَتْ مِنْهُمْ بِتَعْلِيمِهِمْ قِرَاءَةَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ الَّتِي لا يَقْرَبُ قَارِئَهَا الشَّيْطَانُ .
وَالْغُولُ هِيَ : الْجِنُّ الْمُتَبَدِّي بِاللَّيْلِ فِي صُورَةٍ مُرْعِبَةٍ .
وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ هَا هُنَا حِمَايَةَ جِبْرِيلَ لَهُ عليه الصلاة والسلام ، غَيْرَ مَا مَرَّةٍ مِنْ أَبِي جَهْلٍ ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي السِّيرَةِ ، وَذَكَرَ مُقَاتَلَةَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ يَوْمَ أُحُدٍ .

وَأَمَّا مَا جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى لِسُلَيْمَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْمُلْكِ كَمَا كَانَ أَبُوهُ مِنْ قَبْلِهِ ، فَقَدْ خَيَّرَ اللَّهُ عَبْدَهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا أَوْ عَبْدًا رَسُولا ، فَاسْتَشَارَ جِبْرِيلَ فِي ذَلِكَ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَاضَعَ ، فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولا . وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْصِبَ الرِّسَالَةِ أَعْلَى ، وَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم كُنُوزَ الأَرْضِ فَأَبَاهَا ، قَالَ : " وَلَوْ شِئْتُ لأَجْرَى اللَّهُ مَعِي جِبَالَ الأَرْضِ ذَهَبًا ، وَلَكِنْ أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا " . وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ بِأَدِلَّتِهِ وَأَسَانِيدِهِ فِي " التَّفْسِيرِ " وَفِي السِّيرَةِ أَيْضًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .

قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ : فَإِنْ قِيلَ : سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يَفْهَمُ كَلامَ الطَّيْرِ وَالنَّمْلَةِ .
قِيلَ : قَدْ أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ مِنْهُ ، فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لِكَلامِ الْبَهَائِمِ وَالسِّبَاعِ وَحَنِينِ الْجِذْعِ وَرُغَاءِ الْبَعِيرِ وَكَلامِ الشَّجَرِ وَتَسْبِيحِ الْحَصَا وَالْحَجْرِ ، وَدُعَائِهِ إِيَّاهُ وَاسْتِجَابَتِهِ لأَمْرِهِ ، وَإِقْرَارِ الذِّئْبِ بِنُبُوَّتِهِ ، وَتَسْخِيرِ الطَّيْرِ لِطَاعَتِهِ ... وَمَا فِي مَعْنَاهُ .


سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم
مِن آياته ومُعجِزاته (29)
الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ.
وَيُسَمَّى الْمَسِيحُ ؛ فَقِيلَ : لِمَسْحِهِ الأَرْضَ . وَقِيلَ : لِمَسْحِ قَدَمِهِ . وَقِيلَ : لِخُرُوجِهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدِّهَانِ . وَقِيلَ : لِمَسْحِ جِبْرِيلَ لَهُ بِالْبَرَكَةِ . وَقِيلَ : لِمَسْحِ اللَّهِ الذُّنُوبَ عَنْهُ . وَقِيلَ : لأَنَّهُ كَانَ لا يَمْسَحُ أَحَدًا إِلاّ بَرِئَ . حَكَاهَا كُلُّهَا الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ رحمه الله .
وَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ عليه السلام مَخْلُوقٌ بِالْكَلِمَةِ مِنْ أُنْثَى بِلا ذَكَرٍ ، كَمَا خُلِقَتْ حَوَّاءُ مِنْ ذَكَرٍ بِلا أُنْثَى ، وَكَمَا خُلِقَ آدَمُ لا مِنْ ذَكَرٍ وَلا مِنْ أُنْثَى ، وَإِنَّمَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ عِيسَى بِالْكَلِمَةِ وَبِنَفْخِ جِبْرِيلَ فِي فَرْجِ مَرْيَمَ ، فَخَلَقَ اللَّهُ مِنْهَا عِيسَى .
وَمِنْ خَصَائِصِهِ وَأُمِّهِ أَنَّ إِبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ حِينَ وُلِدَ ذَهَبَ يَطْعَنُ فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ ، كَمَا جَاءَ فِي " الصَّحِيحِ ". وَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ ، وَهُوَ حَيٌّ الآنَ بِجَسَدِهِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا . وَسَيَنْزِلُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ ، فَيَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلا ، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا ، وَيَحْكُمُ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ ، ثُمَّ يَمُوتُ وَيُدْفَنُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَلاّمَةُ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ رحمه الله تَعَالَى : وَأَمَّا مُعْجِزَاتُ عِيسَى عليه السلام ؛ فَمِنْهَا : إِحْيَاءُ الْمَوْتَى، وَلِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ كَثِير ، وَإِحْيَاءُ الْجَمَادِ أَبْلَغُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَيِّتِ ، وَقَدْ كَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الذِّرَاعَ الْمَسْمُومَةَ ، وَهَذَا الإِحْيَاءُ أَبْلَغُ مِنْ إِحْيَاءِ الإِنْسَانِ الْمَيِّتِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ إِحْيَاءُ جُزْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ دُونَ بُقِّيةِ بَدَنِهِ ، وَهَذَا مُعْجِزٌ لَوْ كَانَ مُتَّصِلا بِالْبَدَنِ .
الثَّانِي: أَنَّهُ أَحْيَاهُ وَحْدَهُ مُنْفَصِلا عَنْ بَقِيَّةِ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ مَعَ مَوْتِ الْبَقِيَّةِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ أَعَادَ عَلَيْهِ الْحَيَاةَ مَعَ الإِدْرَاكِ وَالْعَقْلِ ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَيَوَانُ يَعْقِلُ فِي حَيَاتِهِ ، فَصَارَ جُزْؤُهُ حَيًّا يَعْقِلُ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ أَقْدَرَهُ اللَّهُ عَلَى النُّطْقِ وَالْكَلامِ ، وَلَمْ يَكُنِ الْحَيَوَانُ الَّذِي هُوَ جُزْؤُهُ مِمَّا يَتَكَلَّمُ ، وَفِي هَذَا مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ حَيَاةِ الطُّيُورِ الَّتِي أَحْيَاهَا اللَّهُ لإِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم .
قُلْتُ : وَفِي حُلُولِ الْحَيَاةِ وَالإِدْرَاكِ وَالْعَقْلِ فِي الْحَجَرِ الَّذِي كَانَ يُخَاطِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّلامِ عَلَيْهِ ، كَمَا رُوِيَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنَ الْمُعْجِزِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ إِحْيَاءِ الْحَيَوَانِ فِي الْجُمْلَةِ ؛ لأَنَّهُ كَانَ مَحَلاّ لِلْحَيَاةِ فِي وَقْتٍ ، بِخِلافِ هَذَا حَيْثُ لا حَيَاةَ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ تَسْلِيمُ الأَحْجَارِ وَالْمَدَرُ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الأَشْجَارُ وَالأَغْصَانُ وَشَهَادَتُهَا بِالرِّسَالَةِ ، وَحَنِينُ الْجِذْعِ إِلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ .
قال ابن كثير :
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي سَبْرَةَ النَّخَعِيِّ قَالَ : أَقْبَلُ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ نَفَقَ [أي : مات] حِمَارُهُ ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي جِئْتُ مِنَ الدَّثِينَةِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ تُحْيِي الْمَوْتَى وَتَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، لا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ عَلَيَّ الْيَوْمَ مِنَّةً ، أَطْلُبُ إِلَيْكَ الْيَوْمَ أَنْ تَبْعَثَ حِمَارِي . فَقَامَ الْحِمَارُ يَنْفُضُ أُذُنَيْهِ . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ . وَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ كَرَامَةً لِصَاحِبِ الشَّرِيعَةِ .
وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كَرَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ مُعْجِزَاتٌ لِلأَنْبِيَاءِ ؛ لأَنَّ الْوَلِيَّ إِنَّمَا نَالَ ذَلِكَ بِبَرَكَةِ مُتَابَعَتِهِ لِنَبِيِّهِ ، وَثَوَابِ إِيمَانِهِ بِهِ .

قال ابن كثير :
قُلْتُ : كَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فَذَكَرَهُ . قَالَ الشَّعْبِيُّ : فَأَنَا رَأَيْتُ الْحِمَارَ بِيعَ أَوْ يُبَاعُ فِي الْكُنَاسَةِ . يَعْنِي بِالْكُوفَةِ ، وَقَدْ أَوْرَدَهَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ قَوْمِهِ فِي ذَلِكَ :
وَمِنَّا الَّذِي أَحْيَا الإِلَهُ حِمَارَهُ ... وَقَدْ مَاتَ مِنْهُ كُلُّ عُضْوٍ وَمَفْصِلِ
وَأَمَّا قِصَّةُ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ وَكَلامُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَشَهَادَتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ بِالصِّدْقِ ؛ فَمَشْهُورَةٌ مَرْوِيَّةٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ الْكَبِيرِ ": زَيْدُ بْنُ خَارِجَةَ الْخَزْرَجِيُّ الأَنْصَارِيُّ شَهِدَ بَدْرًا ، وَتُوُفِّيَ زَمَنَ عُثْمَانَ ، وَهُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " دَلائِلِهِ " وَصَحَّحَهُ ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَارِجَةَ الأَنْصَارِيَّ ثُمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ تُوُفِّيَ زَمَنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَسُجِّيَ فِي ثَوْبِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ سَمِعُوا جَلْجَلَةً فِي صَدْرِهِ ، ثُمَّ تَكَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : أَحْمَدُ أَحْمَدُ فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ ، صَدَقَ صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ الضَّعِيفُ فِي نَفْسِهِ ، الْقَوِيُّ فِي أَمْرِ اللَّهِ ، فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ ، صَدَقَ صَدَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ، فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ ، صَدَقَ صَدَقَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ مَضَتْ أَرْبَعٌ وَبَقِيَتْ ثِنْتَانِ ، أَتَتِ الْفِتَنُ وَأَكَلَ الشَّدِيدُ الضَّعِيفُ ، وَقَامَتِ السَّاعَةُ ، وَسَيَأْتِيكُمْ عَنْ جَيْشِكُمْ خَبَرُ بِئْرِ أَرِيسَ ، وَمَا بِئْرُ أَرِيسَ .
قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : ثُمَّ هَلَكَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ فَسُجِّيَ بِثَوْبِهِ ، فَسُمِعَ جَلْجَلَةٌ فِي صَدْرِهِ ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ أَخَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ صَدَقَ صَدَقَ .
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا وَأَطْوَلَ ، وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ . قَالَ : وَقَدْ رُوِيَ فِي التَّكَلُّمِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَنْ جَمَاعَةٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ .

ولا يُستَغْرَب أن يَتكلّم أحد بعد الموت ؛ لأن إحياء الميّت أعظَم مِن كلامه ، والله عزّ وَجَلّ قد أحيا قَتِيل بني إسرائيل ثم تكلّم ثم مات .
ففي قصة البقرة والأمْر بِذَبحِها : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [(2)البقرة: 72 ، 73] .
قال عِكْرِمَة : (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا) قَالَ: بِفَخِذِهَا ، فَلَمَّا ضُرِبَ بِهَا عَاشَ ، وَقَالَ: قَتَلَنِي فُلانٌ ؛ ثُمَّ عَادَ إِلَى حَالِهِ . رواه ابن جرير في تفسيره : جامع البيان عن تأويل آي القرآن .
ولا يُستَغْرَب أن يُحيي الله الحمار للرّجُل ؛ فقد أحيا الله عُزَيْرًا وحماره بعد موت مائة سَنَة .
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:259] .
وفي خَبَر بَنِي إسرائيل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ) [البقرة:243] .
قال ابن العربي : أمَاتَهم الله تَعالى مُدّةً عُقُوبَة لَهُم ، ثم أحْيَاهُم . ومِيتَةُ العُقُوبَة بَعْدَها حَيَاة ، ومِيتَة الأجَل لا حَيَاة بَعْدَها . اهـ .

قال ابن كثير : قَالَ شَيْخُنَا : وَمِنْ مُعْجِزَاتِ عِيسَى الإِبْرَاءُ مِنَ الْجُنُونِ ، وَقَدْ أَبْرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . يَعْنِي مِنْ ذَلِكَ . هَذَا آخَرُ مَا وَجَدْتُهُ مِمَّا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ . فَأَمَّا إِبْرَاءُ عِيسَى مِنَ الْجُنُونِ ، فَمَا أَعْرِفُ فِيهِ نَقْلا خَاصًّا ، وَإِنَّمَا كَانَ يُبَرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ ، وَالظَّاهِرُ : وَمِنْ جَمِيعِ الْعَاهَاتِ وَالأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ .

وقد تقدَّم في النوع الثالث مِن مُعجِزاته صلى الله عليه وسلم : تصرفه في الحيوان : الإنس ، والجن ، والبهائم .
وذَكَرت أمثلة لإبرائه صلى الله عليه وسلم مِن الجنون .
ووقَع ذلك لبعض أصحابه رضي الله عنهم .
رَوَى خَارِجَة بن الصَّلْت التَّمِيمِيِّ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ رَاجِعًا مِنْ عِنْدِهِ ، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ عِنْدَهُمْ رَجُلٌ مَجْنُونٌ مُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ ، فَقَالَ أَهْلُهُ : إِنَّا حُدِّثْنَا أَنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا قَدْ جَاءَ بِخَيْرٍ ، فَهَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ تُدَاوِيهِ ؟ فَرَقَيْتُهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، فَبَرَأَ . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى ، وصححه الألباني ، وحسّنه الأرنؤوط .
وفي رواية : قَالَ : فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً ، كُلَّمَا خَتَمَهَا جَمَعَ بُزَاقَهُ ثُمَّ تَفَلَ ، فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ .
" وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كَرَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ مُعْجِزَاتٌ لِلأَنْبِيَاءِ ؛ لأَنَّ الْوَلِيَّ إِنَّمَا نَالَ ذَلِكَ بِبَرَكَةِ مُتَابَعَتِهِ لِنَبِيِّهِ ، وَثَوَابِ إِيمَانِهِ بِهِ " .

قال ابن كثير : وَأَمَّا إِبْرَاءُ عِيسَى الأَكْمَهَ ، وَهُوَ الَّذِي يُولَدُ أَعْمَى ، وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي لا يُبْصِرُ فِي النَّهَارِ وَيُبْصِرُ فِي اللَّيْلِ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ، كَمَا بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي " التَّفْسِيرِ " وَالأَبْرَصُ الَّذِي بِهِ بَهَقٌ ، فَقَدْ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ عَيْنَ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ إِلَى مَوْضِعِهَا بَعْدَ مَا سَالَتْ عَلَى خَدِّهِ ، فَأَخَذَهَا فِي " يَدِهِ الْكَرِيمَةِ " وَأَعَادَهَا إِلَى مَقَرِّهَا ، فَاسْتَمَرَّتْ بِجِمَالِهَا وَبَصَرِهَا ، وَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَقَدْ دَخَلَ بَعْضُ وَلَدِهِ ، وَهُوَ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَنْشَأَ يَقُولُ :
أَنَا ابْنُ الَّذِي سَالَتْ عَلَى الْخَدِّ عَيْنُهُ ... فَرُدَّتْ بِكَفِّ الْمُصْطَفَى أَحْسَنَ الرَّدِّ
فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ لأَوَّلِ أَمْرِهَا ... فَيَا حُسْنَ مَا عَيْنٍ وَيَا حُسْنَ مَا خَدِّ
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ:
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالا
ثُمَّ أَجَازَهُ فَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ . اهـ .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَسَالَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ ، فَأَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوهَا ، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : لا ، وَدَعَاهُ ، وَغَمَزَ حَدَقَتَهُ بِرَاحَتِهِ ، فَكَانَ لا يَدْرِي أَيُّ عَيْنَيْهِ أُصِيبَتْ ، فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا .
وَفِي رِوَايَةٍ : فَرَفَعَ حَدَقَتَهُ حَتَّى وَضَعَهَا مَوْضِعَهَا، ثُمَّ غَمَزَهَا بِرَاحَتِهِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ اكْسِبْهُ جَمَالا . فَمَاتَ وَمَا يَدْرِي مَنْ لَقِيَهُ أَيُّ عَيْنَيْهِ أُصِيبَتْ . رَوَاهُ عَنْهُ أَهْلُ الْمَغَازِي . اهـ .

قال ابن كثير : وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَثَ فِي عَيْنَيْ عَلِيٍّ يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَهُوَ أَرْمَدُ فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ ، ثُمَّ لَمْ تَرَمَدْ بَعْدَهَا أَبَدًا ، وَمَسَحَ رِجْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ ، وَقَدِ انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ لَيْلَةَ قَتَلَ أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ الْخَيْبَرِيَّ ، فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ أَيْضًا .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ يَدَ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ ، وَكَانَتْ قَدِ احْتَرَقَتْ بِالنَّارِ فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ ، وَمَسَحَ رِجْلَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ، وَقَدْ أُصِيبَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ ، فَبَرَأَتْ مِنْ سَاعَتِهَا ، وَدَعَا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنْ يُشْفَى مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ فَشُفِيَ .
وَكَمْ لَهُ مِنْ مِثْلِهَا وَعَلَى مَسْلَكِهَا ؛ مِنْ إِبْرَاءِ آلامٍ ، وَإِزَالَةِ أَسْقَامٍ ، مِمَّا يَطُولُ شَرْحُهُ وَبَسْطُهُ .

وَأَمَّا قِصَّةُ الْمَائِدَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ)[الْمَائِدَةِ: 112 - 115]
فقَدْ كَانَتْ مَوَائِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُمَدُّ مِنَ السَّمَاءِ ، وَكَانُوا يَسْمَعُونَ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَكَمْ قَدْ أَشْبَعَ مِنْ طَعَامٍ يَسِيرٍ أُلُوفًا وَمِئَاتٍ وَعَشَرَاتٍ بَعْدَ عَشَرَاتٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَا تَعَاقَبَتِ الأَوْقَاتُ ، وَمَا دَامَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ(وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) الآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ: 49] . فَهَذَا سَهْلٌ يَسِيرٌ عَلَى الأَنْبِيَاءِ ...
وَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَخْبَارِ الْمَاضِيَةِ طِبْقَ مَا وَقَعَ ، وَعَنِ الأَخْبَارِ الْحَاضِرَةِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ أَكْلِ الأَرَضَةِ لِتِلْكَ الصَّحِيفَةِ الظَّالِمَةِ الَّتِي كَانَتْ بُطُونُ قُرَيْشٍ قَدْ تَمَالَأَتْ عَلَى مُقَاطَعَةِ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى يُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَتَبُوا بِذَلِكَ صَحِيفَةً وَعَلَّقُوهَا فِي سَقْفِ الْكَعْبَةِ ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ الأَرَضَةَ ، فَأَكَلَتْهَا إِلاّ مَوَاضِعِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ وَهُمْ بِالشِّعْبِ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَبُو طَالِبٍ ، وَقَالَ لَهُمْ عَمَّا أَخْبَرَهُ بِهِ ، فَقَالُوا : إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلاّ فَسَلِّمُوهُ إِلَيْنَا . فَقَالُوا : نَعَمْ . فَأَنْزَلُوا الصَّحِيفَةَ ، فَوَجَدُوهَا كَمَا أَخْبَرَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، فَأَقْلَعَتْ بُطُونُ قُرَيْشٍ عَمَّا كَانُوا تَمَالَئُوا عَلَيْهِ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ، وَهَدَى اللَّهُ بِذَلِكَ خَلْقًا كَثِيرًا ، وَكَمْ لَهُ مِثْلُهَا ، كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُهُ وَبَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ مِنَ السِّيرَةِ وَغَيْرِهَا ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .

وَفِي يَوْمِ بَدْرٍ لَمَّا طَلَبَ مِنَ الْعَبَّاسِ عَمَّهُ فِدَاءً ، ادَّعَى أَنَّهُ لا مَالَ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ : فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي دَفَنْتَهُ أَنْتَ وَأُمُّ الْفَضْلِ تَحْتَ أُسْكُفَّةِ الْبَابِ ، وَقُلْتَ لَهَا : إِنْ قُتِلْتُ فَهُوَ لِلصِّبْيَةِ ؟! فَقَالَ : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَيْرِي وَغَيْرُ أُمِّ الْفَضْلِ إِلاّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ .
وَأَخْبَرَ بِمَوْتِ النَّجَاشِيِّ يَوْمَ مَاتَ وَهُوَ بِالْحَبَشَةِ ، وَصَلَّى عَلَيْهِ .
وَأَخْبَرَ عَنْ قَتْلِ الأُمَرَاءِ يَوْمَ " مُؤْتَةَ " وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ .
وَأَخْبَرَ عَنِ الْكِتَابِ الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ مَعَ سَارةَ مَوْلاةِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهَا عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ ، فَوَجَدُوهَا قَدْ جَعَلَتْهُ فِي عِقَاصِهَا ، وَفِي رِوَايَةٍ : فِي حُجْزَتِهَا .
وَقَالَ لأَمِيرَيْ كِسْرَى اللَّذَيْنِ بَعَثَ بِهِمَا نَائِبُ الْيَمَنِ لِكِسْرَى لِيَسْتَعْلِمَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ اللَّيْلَةَ رَبَّكُمَا ". فَأَرَّخَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، فَإِذَا كِسْرَى قَدْ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَدَهُ فَقَتَلَهُ ، فَأَسْلَمَا وَأَسْلَمَ بَاذَامُ نَائِبُ الْيَمَنِ ، وَكَانَ سَبَبَ مُلْكِ الْيَمَنِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
وَأَمَّا إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَكَثِيرَةٌ جِدًّا ، كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ ؛ فَيَقَعُ ذَلِكَ طِبْقَ مَا قَالَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ .
وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ فِي مُقَابَلَةِ سِيَاحَةِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : كَثْرَةَ جِهَادِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
وَفِي مُقَابَلَةِ زُهْدِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : زَهَادَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُنُوزِ الأَرْضِ حِينَ عُرِضَتْ عَلَيْهِ فَأَبَاهَا ، وَقَالَ : " أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا ". وَأَنَّهُ كَانَ لَهُ ثَلاثَ عَشْرَةَ زَوْجَةً يَمْضِي عَلَيْهِنَّ الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ لا تُوقَدُ عِنْدَهُنَّ نَارٌ وَلا مِصْبَاح ، إِنَّمَا هُوَ الأَسْوَدَانِ : التَّمْرُ وَالْمَاءُ ، وَرُبَّمَا رَبَطَ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنَ الْجُوعِ ، وَمَا شَبِعُوا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ ثَلاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا ، وَكَانَ فِرَاشُهُ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ ، وَرُبَّمَا اعْتَقَلَ الشَّاةَ لِيَحْلِبَهَا ، وَرَقَّعَ ثَوْبَهُ ، وَخَصَفَ نَعْلَهُ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ ، وَمَاتَ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ عَلَى طَعَامٍ اشْتَرَاهُ لأَهْلِهِ .
هَذَا ، وَكَمْ آثَرَ بِآلافٍ مُؤَلَّفَةٍ وَالإِبِلِ وَالشَّاءِ وَالْغَنَائِمِ وَالْهَدَايَا عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَحَاوِيجِ وَالأَرَامِلِ وَالأَيْتَامِ وَالأَسْرَى وَالْمَسَاكِينِ . اهـ .

ومِن آيات عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام : أنه يُخبِر الناس بِما في بيوتهم (وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ)
وهذه آية قد أعطاها الله عَزّ وَجَلّ لِنَبِيّنا محمد صلى الله عليه وسلم .
فقد أخْبَر النبي صلى الله عليه وسلم أحَدَ أصحابه بِما في بَيْتِه ، مما لا عِلْم لِصاحِب البيت به .
قال قتادة بن النُّعمَان : كانت ليلة شديدة الظُّلْمَة والْمَطَر ، فقُلْتُ : لو أني اغْتَنَمْتُ هذه الليلة شُهُود العَتَمَة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فَفَعَلْت ، فلمّا انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أبْصَرَني ومعه عُرْجُون يَمْشِي عليه ، فقال : مَا لَك يا قتادة ، ههنا هذه الساعة ؟ قلت : اغْتَنَمْتُ شُهود الصلاة معك يا رسول الله ، فأعْطَاني العُرْجُون ، فقال : إن الشيطان قد خَلَفَك في أهلك ، فاذْهَب بهذا العُرْجُون ، فأمْسِك به حتى تأتي بَيْتَك ، فَخُذه مِن وَراء البَيت فَاضْرِبه بِالعُرْجُون ، فَخَرَجْتُ مِن المسجد ، فَأضَاء العُرْجُون مِثل الشّمْعَة نُورًا ، فاسْتَضَأت بِه ، فأتَيتُ أهلِي فَوَجَدْتهم رُقُودا ، فَنَظَرتُ في الزّاوية فإذا فيها قُنْفُذ ، فلم أزَل أضْرِبه بِالعُرْجُون حتى خَرَج . رواه الطبراني ، وقال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير ، ورِجَاله مُوَثّقون . والحديث مُخَرّج في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " للألباني .
ورواه الإمام أحمد وابن خُزيمة مِن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . وفيها : قال: " فإذا صَلَيتَ فَاثْبُت حتى أمُرّ بِك ". فلمّا انْصَرَف أعْطَاه العُرْجُون ، وقال : " خُذ هذا فَسَيُضِيء لك أمَامَك عَشْرا ، وخَلْفَك عَشْرا ، فإذا دَخَلتَ البَيت وتَرَاءيْتَ سَوَادًا في زَاوية البَيت فاضْرِبْه قَبل أن يَتَكَلّم ، فإنه شيطان .
قال ابن الأثير : العُرْجُون : هو العُود الأصفر الذي فيه شَمَارِيخ العِذْق . اهـ .
وقال السندي : وَسَيُضِيء : مِن الإضاءة . عَشْرا : الظاهر أن المراد عَشْرَة أذْرُع . اهـ .

ومِن كَرَامَات أتباعه صلى الله عليه وسلم : أنهم ربما أخْبَروا بما غَابَ عنهم
رَوَى الإمام مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب ، قال لِرَجُل : ما اسمك ؟ فقال جَمْرَة ، فقال : ابْنُ مَن ؟ فقال : ابن شِهاب ، قال : مِمّن ؟ قال : مِن الْحُرَقَة ، قال : أين مَسْكَنك ؟ قال : بِحَرّة النّار ، قال : بِأيّها ؟ قال: بِذَاتِ لَظَى ، قال عمر : أدْرِك أهلك فقد احْتَرَقُوا ، قال : فكان كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
قال ابن عبد البر تعليقا على هذا الحديث : لا أدري ما أقول في هذا إلا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : سيكون بعدي محدَّثون ، فإن يكن فعُمَر . اهـ .
وقال الباجي كانت هذه حال هذا الرجل قبل ذلك فما احْتَرَق أهله ، ولكن شيء يُلْقِيه الله في قَلب المتفائل عند سَمَاع الفأل ، ويُلْقِيه الله على لِسَانه فيُوافِق ما قَدّر الله . اهـ .
وممما يَلْتَحِق بهذا :
أن عُمر رضي الله عنه خَاطَب قائد جَيشه ، لِيَنْحَاز بِالْجَيْش ، وعُمَر كان في المدينة النّبويّة ، وقائد جَيشه في بلاد فارِس !
رَوَى البيهقي في " الاعتقاد " واللالكائي في " كرامات الأولياء " مِن طريق نافع عن ابن عُمر أن عُمر بن الخطاب بَعَث جَيْشًا وأمَّر عليهم رجلا يُدعى سَارِيَة ، قال : فَبَيْنَا عُمر يَخطُب قال : فَجَعَل يَصِيح وهو على المنبر : يا سَارِيَة الْجَبَل ، يا سَارِيَة الْجَبَل . قال : فَقَدِم رسول الجيش فَسَأله فقال : يا أمير المؤمنين لَقِينا عَدُوّنا فَهَزَمُونا ، وإن الصائح ليَصِيح : يا سَارية الْجَبَل ، يا سَارية الْجَبَل ، فَشَدَدْنا ظُهورنا بِالْجَبَل ، فَهَزَمَهم الله . فقيل لِعُمَر : إنك كنتَ تَصِيح بذلك .
وذَكَر ابن كثير بعض طُرُق هذه القصة ، ثم قال : وهذا إسناد جَيّد حَسَن .

وسبق ذِكر كَرَامَة أبي قِرصَافة رضي الله عنه ، و أنه كان يُنادي ابنه – وهو في الأَسْر - مِن وراء البَحر ، فيَسمَعه ابنُه فيُجيب .

ومَن أراد الاستزادة ، فيُراجِع الكُتب التالية :
الشفا بتعريفِ حقوق المصطفى ، للقاضي عياض
دلائلِ النبوة للفريابي .
دلائلِ النبوة لأبي نُعيم الأصبهاني .
دلائلِ النبوة للبيهقي .
دلائلِ النبوة لإسماعيل الأصبهاني .
وأوّل كتاب " تهذيب الكَمال " للمِزّي .
و "الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح " ، لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/161 – 227)
والبداية والنهاية ، لابن كثير (9/305 – 409) .
وأوّل كتاب " تاريخ الإسلام " للذهبي .
وأشكر لأخي د. محمد حيث أهداني قبل أكثر من 10 سَنَوات كِتَابا قيِّما ، وهو كتاب " الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح " ، ووجدت به هذا العِلْم الغَزِير حَول مُعجِزات نَبِيّنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، وهذا التقسيم لِمُعجِزاته صلى الله عليه وسلم ، مع أن الكتاب ليس مِن مَظَانّ هذه المسألة .

كتبه فضيلة الشيخ : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

وهنا :
محاضرة مرئية عن نبينا عليه الصلاة والسلام
https://www.youtube.com/watch?v=0zHiF8myZdU

محاضرة قصيرة بعنوان : من فوائد الصلاة على النبي ï·؛
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=22123

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ما حكم موضوع تحطيم الرقم القيايسي بكتابة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ؟ راجية العفو قسـم الأنترنـت 0 20-05-2015 11:07 PM
هل ثبتَ عن رسول الله ﷺ أنه جَمَع الصلاة في وقت المطر ؟ نسمات الفجر إرشــاد الـصــلاة 0 02-04-2015 04:18 AM
هل من اعتقد أن لا إله إلا الله دون قول وعمل ولا يعتقد أن محمد رسول الله يدخل الجنة ؟ نسمات الفجر قسـم العقـيدة والـتوحيد 0 09-12-2013 07:07 AM
ما حكم موضوع تحطيم الرقم القيايسي بكتابة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ؟ نسمات الفجر قسـم المحرمـات والمنهيات 0 12-11-2012 10:41 AM
هل يجوز لنا ان نقول من محمد رسول الله الى كل شاب او الى كل زوجة؟ راجية العفو قسـم المحرمـات والمنهيات 0 20-02-2010 02:40 PM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 05:32 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى