السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حكم من تفرط في نفسها وتلوث سمعتها من أجل المال ؟
بارك الله فيكم وجزاكم خيرا
_____________________________________
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا ، وبارك الله فيك .
لا بارك الله في مال لا يَحمي عِرضا .
وكانت العرب في جاهليتها تبذل المال والنَّفْس والنفيس في سبيل حِفْظ العِرض .
قال حسّان بن ثابت رضي الله عنه :
أصونُ عرضي بمالي لا أدنسهُ *** لا بَارَكَ اللَّهُ بعدَ العِرْضِ في المالِ
أحتالُ للمالِ إن أوْدى فأجمعهُ ***ولسْتُ لِلعِرْضِ إن أوْدَى بِمُحتالِ
وما يُغني المال إذا ذَهَبَت الأعراض ؟
وما يُغني المال إذا ذَهَبَت الصِّحّة ؟
وما يُغني المال إذا ذَهَبَت الدنيا وبَقيَت الْحسرَة ؟
وفي الحديث الصحيح : يُؤتَى بأنْعَم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة ، فيُصْبَغ في النار صَبْغَة ، ثم يُقال : يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مَرّ بِكَ نَعِيم قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ، ويُؤتَى بأشدّ الناس بُؤساً في الدنيا من أهل الجنة ، فيُصْبَغ صبغة في الجنة ، فيُقال له : يا ابن آدم هل رأيت بُؤساً قط ؟ هل مَرّ بِك شِدّة قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ما مَرّ بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط . رواه مسلم .
والإنسان يُسأل يوم القيامة ويُحاسَب عن ماله : مِن أين اكتسبه ؟ وفيمَ أنْفَقه ؟
فالدنيا حلالها حِساب ، وحرامها عِقاب .
والمال الْمُكتَسَب مِن حَرام لا بَرَكة فيه ، والمال الحرام زاد إلى النار ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يَربُو لَحْم نَبَت مِن سُحت إلاَّ كانت النار أوْلَى به . رواه الإمام أحمد والترمذي . وصححه الألباني .
وصاحِب المال الْمُكتَسَب مِن حرام مَحْرُوم ؛ إن تَصدّق ، أو عمل خيرا ؛ لا يُقبَل منه ، وإن تَرَك المال مِن بعده ، كان عليه وُزره وغُرْمُه ، ولِغيره غُنْمُه .
وقول الله أصدق وأبلغ : (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى) ثم قال تعالى : (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) .
جاء في تفسير قوله تعالى : (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى) : إذا مات . وإذا تَردّى في جهنّم .
فما يُغني المال ، وما ذا يَنفع ؟ وقد اكتسبه صاحِبه مِن حرام ..؟
والذي يَطلب السعادة في الحرام ، كالذي يتطَلّب اللذّة في السّم والْمُرّ ، أو كالذي يُريد أن يُسيِّر السفينة على اليابسة !
قال ابن القيم : مَن طلب لذّة العيش وطِيبه بِما حَرّمه الله عليه عاقَبه بنقيض قصده ، فإن ما عند الله لا يُنال إلاّ بطاعته ، ولم يَجعل الله معصيته سببا إلى خير قطّ ، ولو عَلِم الفاجر ما في العفاف مِن اللذة والسرور وانشراح الصدر وطيب العيش ، لَرَأى أن الذي فَاتَه مِن اللذة أضعاف أضعاف ما حصل له . اهـ .
وكان سفيان الثوري كثيرا ما يتمثّل بهذين البيتين :
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ... مِن الحرام ويبقى الوِزر والعار
تبقى عواقب سوء في مَغبّتها ... لا خير في لذة من بعدها النار
والله تعالى أعلم .