.
أدْعَى دَوَاعي الأرَق
وأعدى أعداء الرَّاحة
ومُؤرِّق الأجفان
ومُقِضّ المضاجع
هو
أقوى جند الله ..
سُئل عليٌّ رضي الله عنه : أي الخلائق أشدّ ؟
فقال : أشد خَلْق ربك عشرة :
الجبال الرواسي ، والحديد تُنْحَت به الجبال ، والنار تأكل الحديد ، والماء يطفئ النار ، والسَّحاب الْمُسَخَّر بين السماء والأرض يعني يَحمل الماء ، والرِّيح تُقِلّ السَّحاب ، والإنسان يَغْلِب الريح يَعصمها بيده ويَذهب لحاجته ، والسُّكر يَغْلب الإنسان ، والنوم يَغْلِب السُّكر ، والْهَمّ يَغْلِب النوم ؛ فأشَدّ خَلْق رَبِّكم الْـهَمّ .
وقال أَبو ذُؤَيْب :
أمْ مَا لِجْنبِك لا يُلائِم مَضْجعَا *** إلاّ أَقضَّ عليك ذاك الْمَضْجَعُ
إن النجاة مِن الغَم مَغْنَم
وأسْلَمُ لك .. أنك مِن الْهَم تَسْلَم
لذا امتن الله على نبيه موسى بالنجاة مِن الغمّ (وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ)
قال القرطبي : أي : آمَـنَّاك مِن الْخَوف والقَتْل والْحَبْس . اهـ .
وامْتَنّ الله تعالى على أصحاب نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم بأن أصابهم غَمّ أنسى الغَمّ !
(فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ)
قال ابن جرير : أَيْ : كَرْبًا بَعْدَ كَرِبٍ ، قَتْلُ مَنْ قُتِلَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ ، وَعُلُوُّ عَدُوِّكُمْ عَلَيْكُمْ ، وَمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ : قُتِلَ نَبِيُّكُمْ ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَتَابَعَ عَلَيْكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ ، لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ ظُهُورِكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُمُوهُ بِأَعْيُنِكُمْ ، وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ مِنْ قَتْلِ إِخْوَانِكُمْ . اهـ .
وقيل : الغَم الأول : ما أصابهم مِن القَتْل والْجِراح ، والغم الثاني : ما سَمِعُوا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد قُِتل ، فأنساهم الغمَّ الأول . ذَكَرَه البغوي في تفسيره .
وتَتَابُع الْهُمُوم وتَرَادُف الأحزان يَفْلِق الأكباد
قالت عائشة رضي الله عنها وهي تُحدِّث بِخَبَر حادثة الإفك : وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا حَتَّى أَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ، ثُمَّ بَكَيْتُ لَيْلَتِي الْمُقْبِلَةَ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي .
ومن دروس الصيام أنه انشراح للصَّدْر ، وسَلْوة للنفس ، وبهجة للقلب
فَفِي القِيام أُنْس
وفي الصَّدَقة أجْر
وفي الصِّيام صَبر
وفي العِيد أفْراح
وكيف لا يَأنَس مَن يَخْلُو بِرَبِّـه ؟ ومَن بَات يُنَاجِي مَولاه ؟
قيل للحسن رحمه الله : ما بَال المتهجِّدِين مِن أحسن الناس وُجُوها ؟ قال : لأنهم خَلَوا بالرحمن فألْبَسَهم مِن نُوره نُورًا .
وكيف لا يَفرح من أدرك شهر الصيام والْـبِرّ ؟
ومَن قَـرَأ فيه القرآن ؟
(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
قَال ابن عباس رضي الله عنهما : بِفَضْلِ اللهِ : الإِسْلامُ ، وَبِرَحْمَتِهِ : أَنْ جَعَلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ .
وكيف لا يَنْشَرِح صَدْر مَن تَغَلَّب على عَدوه ؟
وقد ضَرَب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَثَلا للمُتَصَدِّق ، فقال : مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا ؛ فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلا يُنْفِقُ إِلاَّّ سَبَغَتْ أَوْ وَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلاَّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا ، فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلا تَتَّسِعُ . رواه البخاري ومسلم .
ولا تَخْرُج الصَّدَقة إلاَّ بَعْد فَكّ حَنَك الشياطين عنها !
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يُخْرِجُ رَجُلٌ شَيْئًا مِنَ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُكَّ عَنْهَا لَحْيَيْ سَبْعِينَ شَيْطَانًا . رواه الإمام أحمد وابن خزيمة ، وصححه الألباني .
قال ابن القيم : وكان هَدْيه صلى اللَّه عليه وسلم يدعو إلى الإحسان والصدقةِ والمعروف ، ولذلك كان صلى اللَّه عليه وسلم أشرحَ الْخَلْق صَدْرا ، وأَطيَبهم نَفْسا ، وأنعمَهم قَلْبا . فإن لِلصدقة وَفِعلِ المعروف تأثيرًا عجيبًا في شَرْح الصَّدْر . اهـ .
فلا غَرْو أن يكون السيد الشهم الكريم الجواد هو أجود الناس ، بل كان أجْوَد بالخير مِن الرِّيح الْمُرْسَلَة ، حتى مات عليه الصلاة والسلام .
ولا عَجَب .. إذْ قَد شَرَح الله له صَدْره
ألَم تَقْـرأ ( أَلَمْ ) ؟
26 / رمضان / 1431 هـ
كتبه الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض