نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.63 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسـم المقـالات والـدروس والخُطب
افتراضي مِن تَبِعات انتشار الوباء
قديم بتاريخ : 01-04-2020 الساعة : 12:12 AM

مع انتشار الوباء تَنتَشِر رسائل يحسُن التنبيه عليها :

الأولى : تَنْزِيل النصوص الوارِدة في الطاعون ، وكونه شهادة ، على الوباء .

وقد فَرّق العلماء بين الطاعون وبين الوباء
قال ابن القيم : الطاعون - مِن حيث اللغة - نَوع مِن الوَبَاء ، قاله صاحب " الصّحَاح " ...
ولَمّا كان الطاعون يَكثر في الوَبَاء ، وفي البِلاد الوَبِيئة ، عُبِّر عنه بِالوَبَاء ، كما قال الخليل : الوَبَاء الطاعون .
وقيل : هو كُلّ مَرَض يَعُمّ .
والتحقيق : أن بَيْن الوَبَاء والطاعون عموما وخصوصا ؛ فكُل طَاعُون وَبَاء ، وليس كُلّ وَبَاء طَاعُونا ، وكذلك الأمراض العامّة أعَمّ مِن الطاعون ، فإنه وَاحِد منها ، والطّوَاعِين : خُرّاجَات وقُرُوح وأوْرَام رَدِيئة . (زاد المعاد)

الثانية : تنتَشِر رسالة فيها حديث في الصحيحين ، وفيه :
" عَلَى أَنْقَاب الْمَدِينَة مَلائِكَة ، لا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ ولا الدَّجَّال " .

ويُنْقل معه قول الحافظ ابن حَجَر : ووَقَع في بعض طرق حديث أبي هريرة : " المدينة ومكة مَحْفُوفَتَان بِالملائكة على كل نَقْبٍ مِنْهما مَلَك لا يَدْخُلُهما الدّجّال ولا الطّاعُون " . (فتح الباري)

ويُفهَم مِن تلك الرسالة أن مكة والمدينة لا يَدخُلهما الوَباء .
وهذا غير صحيح
فالحديث خاصّ بالطّاعون ، وليس بِمَنع دخول كلّ وَباء .
قال ابن القيم : كُلُّ طَاعُونٍ وَبَاء ، وَلَيْسَ كُلُّ وَبَاءٍ طَاعُونًا .
(زاد المعاد)

ونَشْر مثل هذا الحديث في هذا الوقت ، والاستدلال به على أن الوباء لا يَدخُل مكة ولا المدينة : يُعرِّض الحديث للتكذيب إذا دَخَلهما مثل وباء " كورونا " .
وليس في الحديث أن مكة والمدينة لا يَدخُلهما الوَباء ، وإنما في الحديث لا يَدخلهُما الطاعون ، وهو أخصّ مِن الوباء ، كما قال ابن القيم رحمه الله .

الثالثة : قول بعضهم : (عندما نادى المؤذن في زمان الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام : " صَلّوا في رحالكم" في يوم مطير ، لم يَبكِ المؤذِّن وهو يقولها ؛ لأنه يعلم أنه حكم شرعي . صَلّى الصحابة في بيوتهم وهم يحتسبون أجر الجماعة بِنِيّاتِهم ولم ينتشر بين الصحابة أن الله كَرِه قُدومهم وأغلَق المساجد في وجهوهم)
أقول : هذا مُتعقّب مِن وُجوه :
1 - المؤمن يَحزَن لِفَوَات مَواسِم الْخَيْرات .
ويَتمنّى الخير .
وقد أمَر الله الكريم تبارك وتعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يَقول : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) .

وقال الله تعالى في خَبَرِ البَكّائين مِن المؤمنين : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ)
قال القاسِمِي في تفسيره : دَلّت الآية على جَوَاز البُكاء وإظهار الْحُزن على فَوَات الطاعة ، وإن كان معذورا . (محاسِن التأويل)

2 – الصلاة في البيوت لأجْل أمْرٍ عارِض في وَقْت أو في وقْتَيْن ، هو مِثل جَمْع الصلوات لِعُذر ، ومثل صلاة المريض في بيته ؛ لأمْر عارِض ، وليس مثل إغلاق المساجِد وإيقاف الْجُمَع والجماعات .
فالأول عارِض خلال اليوم الواحِد ، والثاني قد يَطول ، وهو أمْر يُحزِن المؤمن ، ويشقّ على مَن ألِف الجماعة أن يَتْرُك الْجُمَع والجماعات .

3 – المؤمِن يَخشَى أن تكون هذه عُقوبة واستِبْدال ، فالمؤمن يَتّهِم نفسَه ، ولا يُزكّيها .
وكان السلف مع صلاحهم ينظرون إلى ذُنُوبِهم ، ولا يُزكّون أنفسَهم .
لَمّا وَلي أبو بكر الخلافة خَطب الناس فقال : إني قَد وُلِّيتُ عَليكم ولَسْتُ بِخَيْرِكُم . فلمّا بَلَغ الْحَسَن البَصْري قوله قال : هو والله خَيْرُهم غَير مُدَافَع ، ولكن الْمُؤمِن يَهْضِم نَفْسَه . رواه البيهقي في " السّنَن الكُبرى " .

وقال الحسن البَصري في وَصْف خير القُرُون : عَمِلُوا والله بالطاعات واجتَهَدُوا فيها ، وخافُوا أن تُردّ عليهم ؛ إن المؤمِن جَمَع إحسَانا وخَشْيَة ، والْمُنَافِق جَمَع إساءة وأمْنًا .

وقد اخْتَلَف الناس في اتِّهام النَّفس وحُسْن الظّنّ بها ، والفَصْل في ذلك :
قول الجاحظ : يَجِب أن يَكون في التّهْمة لِنَفسه مُعتَدلاً ، وفي حُسن الظن بها مُقتَصِدا .

الرابعة : قَوْل بعض الناس : إنّ الأوبئة والأمْراض والكَوارِث ليست عُقُوبات ، ويُطلِق بعضُهم القَول بأنه لو كان كذلك لنُقِل عن الصحابة رضي الله عنهم ...
وقد نُقِل عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا كثير !

ومِن ذلك :

أنه الأَرْض زُلْزِلَتِ عَلى عَهْد عُمَر حَتى اصْطَفَقَت السُّرَر فََخَطَب عُمَر النَّاس ، فقال : لَئِن عَادَت لأَخْرُجَنَّ مِن بَيْن ظَهْرَانِيكُم . رواه ابن أبي شيبة والبيهقي .
وفي رواية قال : أحدَثتُم ! لَقَد عَجِلتُم .

قال ابن عبد البر : لَمْ يَأتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِن وَجْه صَحِيح أَنّ الزَّلْزَلَة كَانَت في عَصْرِه ، وَلا صَحَّت عَنْه فِيهَا سُنَّة ، وَقَدْ كَانَت أَوَّل مَا كَانَت في الإسلام عَلى عَهْد عُمَر ، فَأَنْكَرَها وقال : أَحْدَثْتُم ، وَاللَّه لَئِن عَادَت لأَخْرُجَنَّ مِن بَيْن أظهُرِكُم . (الاستذكار)

فهذا عُمر رضي الله عنه يقول للناس : أحدَثتُم ! أي أن ما وَقَع مِن الزّلْزَلَة إنما هو بِسبب الذّنوب .

وقال العباس رضي الله عنه : اللهم إنه لم يَنْزِل بَلاء إلاّ بِذَنْب ، ولم يُكْشَف إلاّ بِتَوبَة . رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " .
وهو أعَمّ مِن قَولِ عُمرَ رضي الله عنه .

قال ابنُ جريرٍ الطبريِّ : ذُكِر لَنَا أنَّ الكوفةَ رَجَفَتْ على عهدِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه ، فقال : يأيها الناسُّ ، إنَّ ربَّكم يَسْتَعتِبُكم فأعتِبُوه .
قال الراغبُ في " المفرَداتِ " : الاسْتِعْتَابُ : أنْ يُطلبَ مِن الإنسانِ أنْ يَذكرَ عَتْبَهُ لِيُعْتَبَ ، يقال : اسْتَعْتَبَ فلانٌ . قال تعالى : (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) ، يقال: " لك العُتْبَى " ، وهو إزالةُ ما لأجلِهِ يُعْتَبُ . اهـ .

وقالت فاطمة بنت المنذِر : كانت جَدّتي أسْمَاء تَمْرَض الْمَرْضَة فتُعتِق كُلّ مَمْلوك لها . رواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " ، ومِن طريقِه : رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " .

وكَانَتْ أَسْمَاءُ تَصْدَعُ فَتَضَعُ يَدَهَا عَلى رَأْسِهَا وَتَقُول : بِذَنْبِي ، وَمَا يَغْفِرُه اللهُ أَكْثَر . رواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " ، ومِن طريقِه : رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " .

وفي ترجمة الإمام وَكِيع بن الجرّاح رحمه الله أن رجلاً أغْلَظَ لِوَكِيع ، فَدَخَل وَكِيع بَيْتًا فَعَفّر وَجْهه بِالتّراب ، وخَرجَ إلى الرّجُل فقال له : زِدْ وَكِيعًا بِِذَنْبِه ، فَلَوْلاَه ما سُلِّطتَ عَليَّ . رواه الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " .

وسبق :
ما الرد على من يقول إن فيروس (كورونا) مذكور في سورة المدثر ؟
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=22238

هل يجوز أن يُقال عن كورونا : إنه جند مِن جنود الله ؟
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=22235


كيف تكون محاسبة الإنسان لنفسه ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14206

كيف يُفَرّق المرء بين العقاب مِن الله والابتلاء ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=2083

تنظُر إلى عبادتها بأنها أفضل مِن غيرها . هل بهذا قد حَبط عملها ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11224

ما الذي بِالله غرّك ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6118

هـذا بِـذنْـبِـي
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=2050

وبالله تعالى التوفيق .

كتبه فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ما صحة أن سماع القرآن الكريم يقلل من انتشار الخلايا السرطانية في جسم الإنسان راجية العفو قسـم الفتـاوى العامـة 0 02-11-2012 11:05 PM
انتشار الفتن في هذا الزمان واستفحالها وقلة العلماء الرادين عليها رولينا قسـم الفتـاوى العامـة 0 03-03-2010 12:31 AM
انتشار صور الفنانين والفنانات في المنتديات وخاصة في تواقيعهم راجية العفو قسـم المحرمـات والمنهيات 0 26-02-2010 03:46 PM
انتشار صور الفنانين والفنانات في المنتديات وخاصة في تواقيع الأعضاء نسمات الفجر قسـم الأنترنـت 0 20-02-2010 04:09 AM
هل انتشار الأغاني والخمور سبب انقطاع الأمطار ؟ وهل انتشارها سبب في تأخير النصر ؟ راجية العفو قسـم المحرمـات والمنهيات 0 13-02-2010 04:43 PM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 05:14 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى