ما بال ام الدرداء مبتذّلة؟

زار سلمان الفارسي رضي الله عنه أخاه أبا الدرداء رضي الله عنه فما وجده لكنه وجد أم الدرداء وهي متبذِّلة ، فسألها عن شأنـها .
فقالت : أخوك أبو الدرداء ليس له بنا حاجة في الدنيا !
فجاء أبو الدرداء ، فصنع له طعاما .
فقال له : كُل .
قال : فإني صائم .
قال : ما أنا بآكل حتى تأكل . قال : فأكل .
فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال : نَـم ، فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال : نَم فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال : نَم .
فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قُم الآن ، فَصَلَّيَا .
فقال له سلمان : إن لربك عليك حقّـا ، ولنفسك عليك حقّـا ، ولأهلك عليك حقّـا ، فأعطِ كل ذي حق حقّه ، فأتى أبو الدرداء النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق سلمان . رواه البخاري .
ومعنى ( متبذّلة ) أي لابسة ثياب البذلة وهي المهنة ، أي أنـها تاركة الزينة . وعرّضت عن إعراض زوجها عنها بقولها : أخوك أبو الدرداء ليس له بنا حاجة !
قال ابن حجر : وفيه جواز النهى عن المستحبات إذا خشي أن ذلك يُفضي إلى السآمة والملل وتفويت الحقوق المطلوبة الواجبة أو المندوبة الراجح فعلها على فعل المستحب المذكور . انتهى .
فانظر إلى فقه هذا الصحابي الجليل - أعني سلمان رضي الله عنه - كيف قدّم الحقوق والواجبات على النوافل من صيام النهار وقيام الليل ، وما ذلك إلا لأن حق الأهل أولى ، وهو ما أقرّه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فكيف بمن يضيع الأوقات في السهر على المحرمات ، ويترك الحقوق والواجبات ؟!
إذا المسألة مُوازنة بين الحقوق والواجبات
وإذا تعارضت حقوق الخلق مع نوافل الطاعات قُدّمت حقوق العباد على نوافل الطاعات .
والأمر يحتاج إلى موازنة
وكثير من الناس بحكم رفع الحرج والكلفة بينه وبين زوجته وأولاده يُعطيهم فضلة وقته – هذا إن فضُل لهم فضلة ! –
فتُنهك قواه في عمله
وتنتهي طاقته في وظيفته
وربما انتهى وقته مع رفقته
ثم يأتي ليُلقي جسداً مُتعباً مُنهكاً - كأنه خشبة – يُلقيه على فراشه
وربما لا يرى أولاده إلا في المناسبات
أحدهم اشتغل في الدعوة إلى الله في السجون حتى ذهب عامة وقته فيها ، فلا يأتي إلى بيته إلا وقد نام الجميع !
فقال له أحد أبنائه يوماً : يا أبي ! هل تُريدنا ندخل السجون حتى ترانا ؟!
فانتبه الأب ، والْتفتْ إلى زوجته وأولاده وأعطاهم بعض حقوقهم
والبعض الآخر يقول : أولادي يعذرونني !
ثم إذا أهملهم فوقعوا في مصيبة أو زلّت بهم القدم لم يعذرهم بل يُلقي باللوم واللائمة عليهم !
وهو الأولى بأن يُـلام
وهو حقيق بأن يوبّـخ
وأن يُقال له :
إن لربك عليك حقّـا ، ولنفسك عليك حقّـا ، ولأهلك عليك حقّـا ، فأعطِ كل ذي حق حقّـه .
وأن يُقال له : إن لجسدك عليك حقّـأً ، وإن لعينك عليك حقّـاً ، وإن لزوجك عليك حقّـاً ، وإن لزورك عليك حقّـاً .
فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد