|
|
المنتدى :
قسم القـرآن وعلـومه
ما صحة ما قيل عن أرجى آية وإن الله يغفر كل الذنوب حتى العقوق وترْك الصلاة
بتاريخ : 09-03-2015 الساعة : 09:16 PM
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ووفقكم ويسر لكم وأعانكم ووسّع الله عليكم
هناك مقطع مِن برنامج سُئل فيه أحد ضيوف البرنامج عن أرجى آية في كتاب الله ..
فقال : أرجى آية في كتاب الله (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
فسأل المقدّم : إن الله يغفر الذنوب جميعًا ، كل الذنوب ؟
فقال الضيف : كل الذنوب ، فالله عز وجل يقول (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ)
فقال المقدّم : حتى لو ما يصلي
فقال الضيف : (وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ)
فقال المقدّم : حتى لو كان عاق لأمه وأبيه ؟
فقال الضيف : (وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ)
فقال المقدّم : حتى لو كان غارِق في الربا ؟
فقال الضيف : (وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)
فهل قوله صحيح ؟
شكر الله لك فضيلة الشيخ وأعلى الله مقامك ورفع قدرك ويسر الله عليك .

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
قوله غير صحيح ، إلاّ إذا كان يقصد بِقوله : (كل الذنوب ، فالله عز وجل يقول (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ)) يعني بالتوبة .
ومع ذلك يُشكل على قوله هذا : ما يتعلّق بِحقوق الآدميين .
وأهل العِلْم يُقيّدون العفو عن السيئات : بالتوبة النصوح فيما بين العبد وبين الله ، وبالتَّحَلُّل مِن صاحب الْمَظْلَمَة ، إذا كان ظَلَم آدميا .
والكبائر التي بين العبد وبين ربّه تُكفِّرها التوبة بإجماع المسلمين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : لا ريب أن مَن تاب إلى الله توبة نصوحا تاب الله عليه ، كما قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) ، وقال تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) أي : لِمَن تَاب . اهـ .
وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) :
يقول تعالى مُمْتَنًّا على عباده بِقبول توبتهم إليه إذا تابُوا ورَجَعوا إليه : أنه مِن كَرَمه وحِلْمه أنه يَعفو ويَصفح ويَستر ويَغفر . اهـ .
وعلى التوبة يُحمَل إتيان العبد بِمِلء الأرض خطايا .
قال الله : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني ، غَفَرت لك على ما كان فيك ولا أبالي ؟ يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني ، غَفَرت لك ولا أبالي . يا ابن آدم إنك لو أتيتني بِقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئا لأتيك بِقرابها مغفرة . رواه الترمذي .
ويدلّ على أن المقصود به التوبة : قوله عليه الصلاة والسلام : والذي نفسي بيده - أو والذي نفس محمد بيده - لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ، ثم استغفرتم الله لَغَفَر لكم ، والذي نفس محمد بيده - أو والذي نفسي بيده - لو لم تخطئوا لجاء الله بقوم يخطئون، ثم يَستغفرون الله، فيُغْفَر لهم . رواه الإمام .
قال ابن رجب : تضمن حديث أنس المبدوء بِذِكْرِه أن هذه الأسباب الثلاثة يحصل بها المغفرة :
أحدها : الدعاء مع الرجاء ، فإن الدعاء مأمور به ، وموعود عليه بالإجابة ... ومِن أهمّ ما يسأل العبد ربه مغفرة ذنوبه ، أو ما يَستلزم ذلك ؛ كالنجاة من النار ، ودخول الجنة ...
السبب الثاني للمغفرة : الاستغفار ، ولو عَظُمت الذنوب ، وبلغت الكثرة عنان السماء، وهو السحاب ... والاستغفار : طلب المغفرة ، والمغفرة : هي وقاية شرّ الذنوب مع سترها ... وكثيرا ما يُقْرَن الاستغفار بِذِكر التوبة ؛ فيكون الاستغفار حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان ، والتوبة عبارة عن الإقلاع مِن الذنوب بالقلوب والجوارح ...
فأفضل الاستغفار ما اقْتَرَن به ترك الإصرار ، وهو حينئذ توبة نصوح ...
السبب الثالث من أسباب المغفرة : التوحيد ، وهو السبب الأعظم ، فمَن فَقَده فَقَد المغفرة ، ومَن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة .
فَمَن جاء مع التوحيد بِقُرَاب الأرض - وهو مِلؤها أو ما يُقارب ملأها – خطايا ، لَقِيه الله بِقُرابها مغفرة ، لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل ، فإن شاء غَفَر له ، وإن شاء أخذه بذنوبه، ثم كان عاقبته أن لا يُخَلَّد في النار ، بل يخرج منها ، ثم يدخل الجنة . اهـ .
فالمغفرة تحصل باجتماع هذه الأسباب الثلاثة : الدعاء ، والاستغفار ، والتوحيد .
وأما مَن يموت على كبيرة مِن الكبائر دون توبة ، فإن مُعتقد أهل السنة والجماعة : أنه تحت المشيئة : إن شاء الله غفر له ، وإن شاء عذّبه .
وأما الذي يموت وهو لا يُصلِّي ، فإنه لا يُرجى له رحمة ولا خير .
وأي إسلام بَقِي لِمن لا يُصلّي ؟
قال عبد الله بن شقيق العقيلي : كان أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة . رواه الترمذي .
وقال أيوب السختياني : ترك الصلاة كَفرٌ ، لا يُختلف فيه .
قال ابن رجب : وذَهب إلى هذا القول جماعة مِن السلف والخلف ، وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق ، وحَكَى إسحاق عليه إجماع أهل العِلْم . اهـ .
وفي " أصول السنة " للإمام أحمد : ومَن تَرك الصلاة ، فقد كَفر ، وليس مِن الأعمال شيء تركه كُفر إلاّ الصلاة ؛ مَن تَركها فهو كافر ، وقد أحَلّ الله قَتْله .
وفي " العقيدة للإمام أحمد رواية أبي بكر الخلاّل " : وكان لا يُكَفِّر أحدًا مِن أهل القبلة بِذَنْب كبيرا كان أو صغيرا إلاَّ بِتَرْك الصلاة ؛ فمن تركها فقد كَفَر وحَلّ قَتْله ، قاله ابن حنبل . اهـ .
وروى الخلاّل في كتاب " السنة " من طريق إسماعيل بن سعيد ، قال : سألت أحمد عن قول النبي، صلى الله عليه وسلم : " مَن غَشّنا فليس مِنّا ، ومَن حَمَل السلاح علينا فليس مِنّا " ؟ قال : على التأكيد والتشديد ، ولا أُكَفِّر أحدا إلاّ بِتَرْك الصلاة .
والناس طرفان ووسط : فَطَرف يُؤيِّس أهل الكبائر مِن رحمة الله ، وطَرَف يُجرّئهم على المعاصي بتلاوة نحو هذه الآية (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) !
قال علي رضي الله عنه : ألاَ إن الفقيه كل الفقيه الذي لا يُقنّط الناس مِن رحمة الله ، ولا يُؤمّنهم مِن عذاب الله ، ولا يُرَخِّص لهم في معاصي الله ، ولا يَدع القرآن رَغبة عنه إلى غيره . رواه أبن نُعيم في " الحلية " .
وسئل سفيان عن قول علي : " الفقيه كل الفقيه من لم يُقنّط الناس مِن رحمة الله , ولم يُرخِّص لهم في معاصي الله ؟ فقال : صَدَق ، لا يكون الترخيص إلاّ في المستقبل , ولا التقنيط إلاّ فيما مضى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : الفقيه كل الفقيه هو الذي لا يُؤيِّس الناس مِن رحمة الله ، ولا يُجَرِّئهم على معاصي الله . اهـ .
وسبق :
ما الذي يُكفِّر الكبائر ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6916
هل صحيح أنّ الله لا يغفر حقوق العباد ويُقتص منهم يوم القيامة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=4648
هل حديث ( لو أتيتني بِقُرَاب الأرض خطايا) يدخل تحت المشيئة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=1909
هل تُرجى التوبة على مَن لعنه الله ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11780
هل تغفر الكبائر من الذنوب كالزنا والسرقة و اللواط وغيرها وما كفارتها؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=5290
هل قول سبحان الله وبحمده 100 مرة يمحو الذنوب الكبيرة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7445
صديقاتي يَغْتَبْنَ الناس ويَقُلْنَ أنّ السيئة لا تُكتَب إلاّ بعد ساعة ، فهل هو صحيح ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=15637
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض
|
|
|
|
|