معنى قول النبي ( لا تواصلوا ، إني لست كهيئتكم ، إني أبيت لي مطعم يطعمني ) اختلف في معنى إطعامه ، فقيل : إنه كان يؤتى بطعام من الجنة يأكله ، وفي هذا نظر ، فإنه لو كان كذلك لم يكن مواصلا . والصحيح أنه إشارة إلى ما كان الله تعالى يفتحه عليه في صيامه وخلوته بربه ، لمناجاته وذكره من مواد أنسه ونفحات قدسه ، فكان يرد بذلك على قلبه من المعارف الإلهية والمنح الربانية ما يغذيه ويغنيه عن الطعام والشراب .
الحكمة من النهي عن استدامة الصيام قد أشار النبي إلى الحكمة في ذلك من وجوه : منها : قوله في صيام الدهر ( لا صام ولا أفطر ) يعني أنه لا يجد مشقة الصيام ولا فقد الطعام والشراب والشهوة ، لأنه صار الصيام له عادة مألوفة ، فربما تضرر بتركه ، فإذا صام تارة وأفطر تارة حصل له بالصيام مقصوده بترك هذه الشهوات ، وفي نفسه داعية إليها ، وذلك أفضل من أن يتركها ونفسه لا تتوق إليها . ومنها : قوله في حق داود عليه السلام ( كان يصوم يوما ويفطر يوما ، ولا يفر إذا لاقى ) يشير إلى أنه كان لا يضعفه صيامه عن ملاقاة عدوه ومجاهدته في سبيل الله . ومنها : ما أشار إليه بقوله لعبد الله بن عمرو ( لعله أن تطول بك حياة ) يعني أن من تكلف الاجتهاد في العبادة فقد تحمله قوة الشباب ما دامت باقية ، فإذا ذهب الشباب وجاء المشيب والكبر عجز عن حمل ذلك ، فإن صابر وجاهد واستمر فربما هلك بدنه ، وإن قطع فقد فاته أحب الأعمال إلى الله تعالى ، وهو المداومة على العمل الصالح