هل يجوز للإنسان أن يحفر قبره ويجهّز كفنه قبل الموت ؟
  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
  جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه من خير ونفع فضيلة الشيخ
  انتشر عند كثير من الناس حفر قبورهم قبل الموت ، وأيضا إعداد الكفن وشراؤه قبل الموت ، هل تجوز هذه الأمور ؟ وما حكمها ؟
  بارك الله فيكم
      
  الجواب :
  
  وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
  وجزاك الله خيرا ، وبارك الله فيك . 
  
  يجوز للإنسان حَفر قبره قبل الموت ، وإعداد الكفن وشراؤه قبل الموت .
  قال حبيب بن مسلمة لأبي الدرداء رضي الله عنه : أوصِني ، فقال : عليك بكتاب الله ثلاث مرات ، فلمّا ولّى دَعاه قال : اعبد الله كأنك تراه ، واعدُد لنفسك قبرا ، واحذر دعوة المظلوم . رواه أبو داود في " الزهد " .
  
  وجاء عن بعض ولد مُطرّف بن عبد الله بن الشخير أن مُطَرِّفا حَفر له قبرا في داره ، فلما مات دُفن فيه رحمه الله  . 
  
  وذَكَر الغزالي أن الربيع بين خُثيم قد حَفر في داره قبرا ، فكان إذا وجد في قلبه قَساوة دخل فيه فاضطجع فيه ، ومكث ساعة ، ثم قال : (رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) ثم يقول : يا ربيع قد أُرْجِعت فاعمل الآن قبل أن لا ترجع .
  
  وهذه ليست مِن البِدَع ؛ لأنه لا يُراد بها التقرّب إلى الله ، وإنما يُراد بها تذكّر الآخرة ، وهو داخل في عموم الأمر بِزيارة القبور ؛ لأنها تذكّر بالآخِرة .
  
  وشِراء الكفن مِن باب الاستعداد للموت ، مثله مثل كِتابة الوصية ، وأداء الحقوق ، والتحلّل مِن المظالِم قبل الموت ، ومشاهدة الْمُحْتَضَرين .
  وليس هذا مِن البدَع ؛ لأنه لا يُراد به زيادة التعبد ، ولا تم شراؤه بِقصد التقرّب بِشرائه ، كما يُتقرّب بِشراء الأضحية ، وإنما مِن باب الاستعداد لِمَا هو آتٍ لا مَحَالة .
  ورؤية الكَفن تُذَكّر بالانتقال مِن هذه الدار ، ولذا شُرِع لباس الإحرام إزار ورداء ، ليس فيه جِيوب ولا له أكمام ، ولا هو لِباس زِينة ، بل هو أشبه ما يكون بالكفن .
  
  وقد أُمِرْنا أن نُكثِر مِن ذِكر الموت .
  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكْثِرُوا ذِكْرَ هاذِمِ اللذاتِ . يَعني الْمَوتَ . رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ والتِّرمذِيُّ والنَّسائيُّ وابنُ مَاجَه . وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ .
  
  وذِكْر الموت علاج للغفلة .
  ففي حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرّ بِقَوم يَضحَكون ويَمْزَحون ، فقال : أكثروا ذِكر هاذم اللذات . رواه البيهقي في " شُعب الإيمان " .
  
  قال السمعاني : يُسْتَحب لِلْمُؤمنِ حب الْمَوْت ؛ لأَنَّهُ بِهِ يستخلص مِن الأوزَار ، ويَصِل إِلَى محبوبه إِن قُدر لَهُ خير . وَعَن بعض السّلف : لا يَكره الْمَوْت إِلاّ مُريب . وَإِنَّمَا كُره تَمَنّي الْمَوْت بِضُرّ نَزَل بِهِ على مَا فِي الْخَبَر . فَأَما إِذا تَمَنّى الْمَوْت ليستخلص مِن الدُّنْيَا وفتنها وشوقا إِلَى لِقَاء ربه ؛ فَهُوَ مَحْبُوب . اهـ . 
  
  والصالحون يتذكّرون الموت والآخِرة برؤية ما يُذكّرهم بها .
  كان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وَقف على قبر بكى حتى يَبلّ لِحيته ، فيقال له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟ فيقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن : القبر أول منازل الآخرة فإن نَجا منه فما بعده أيسر منه ، وإن لم يَنْجُ منه فما بعده أشدّ منه ، قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيت منظرا إلاّ والقبر أفظع منه . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه ، وحسّنه الألباني ، وصححه الأرنؤوط .
  
  وما خرج ابن مسعود رضي الله عنه إلى السّوق فَمَرّ على الحدادين فَرأى ما يُخْرِجُون مِن النار إلاَّ جَعَلَتْ عيناه تَسِيلان .
  رَوَى عبد الله بن بِشر أن طاووس اليماني كان له طريقان إلى المسجد : طريق في السوق ، وطريق آخر ، فكان يأخذ في هذا يوما ، وفي هذا يوما ، فإذا مَرّ في طريق السوق فرأى تلك الرؤوس المشويّة لم يَنعس تلك الليلة.
  ومَرّ طاووس بِرَوّاس قد أخرج رأسًا ، فَغُشِي عليه . رواهما أبو نُعيم في " الحلية" .
  وكان عمرو بن قيس إذا نظر إلى أهل السوق بكى ، وقال : ما أغفل هؤلاء عما أُعِدّ لهم .
  
  وسبق :
  هل يجوز للإنسان أن يحفر له قبْرًا ، ويقوم بزيارته وقراءة القرآن فيه كل فترة ؟
  http://safeshare.tv/v/ss56d691a112cc0
  
  هل الخوف من المقابر يدلّ على ضَعف الإيمان ؟
  http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14346
  
  هل يُعدّ عدم التفكير بالموت والخوف منه غفلة وقسوة قلب ؟
  http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=3155
  
  ما هي أسباب قسوة القلب ؟ 
  http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=2864
  
  والله تعالى أعلم .