قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة .
فيقولون : لبّيك ربنا وسَعديك ، والخير في يديك .
فيقول : هل رَضيتم ؟
فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب ، وقد أعطيتنا ما لم تُعطِ أحدا مِن خلقك .
فيقول : ألا أُعطيكم أفضل مِن ذلك ؟
فيقولون : يا رب ، وأي شيء أفضل من ذلك ؟
فيقول : أُحِلّ عليكم رِضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن القيم : أفضل نعيم الآخرة وأجَلّه وأعلاه على الإطلاق : هو النّظر إلى وَجْه الرّب جَلّ جلاله ، وسماع خطابه .
وقال :
وإن سألتَ عن يوم المَزيد ، وزيارة العزيز الحميد ، ورؤية وَجهه الْمُنَزّه عن التمثيل والتشبيه ، كما تُرى الشمس في الظهيرة ، والقمر ليلة البدر ، كما تواتَر عن الصادق المصدوق النقل فيه ... فاستَمِع يوم يُنادِي المنادي : يا أهل الجنة أن ربكم تبارك وتعالى يَسْتَزِيركم ، فَحَيّ على زيارته .
فيقولون : سَمْعا وطاعة ، ويَنْهَضون إلى الزيارة مُبَادِرين ، فإذا بالنّجائب قد أُعِدّت لهم ، فيَستَوون على ظهورها مُسرعين حتى إذا انْتَهوا إلى الوادي الأفْيَح الذي جُعل لهم موعدا ، وجُمِعوا هناك فلم يُغادر الدّاعي منهم أحدا ؛ أمَر الرب تبارك وتعالى بِكُرْسِيّه فنُصِب هناك ثم نُصبت لهم منابر مِن نور ، ومنابر مِن لؤلؤ ، ومنابر مِن زبرجد ، ومنابر مِن ذهب ، ومنابر مِن فضة ، وجَلَس أدناهم - وحاشاهم إن يكون فيهم دنيء - على كُثبان الْمِسك ، وما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا حتى إذا استَقَرّت بهم مجالسهم واطمَأنّت بهم أماكنهم ، نادى الْمُنَادِي : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يُريد أن يُنْجِزَكُمُوه ، فيقولون : ما هو ؟ ألَمْ يُبيّض وجوهنا ، ويُثقّل مَوازيننا ، ويُدخلنا الجنة ، ويزحزحنا عن النار ؟
فبينما هُم كذلك إذ سَطع لهم نُور أشْرَقت له الجنة ، فَرَفَعوا رؤوسهم فإذا الجبّار جَلّ جلاله وتقَدّست أسماؤه قد أشْرَف عليهم مِن فَوقهم ، وقال : يا أهل الجنة سلام عليكم ، فلا تُردّ هذه التحية بأحسَن مِن قولهم : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام . فَيَتَجَلّى لهم الرّبّ تبارك وتعالى يَضحَك إليهم ، ويقول : يا أهل الجنة - فيكون أول ما يسمعونه منه تعالى - أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني ؟ فهذا يَوم الْمَزِيد .
فيَجتَمِعون على كلمة واحدة : أن قد رَضينا فأرْضَ عنّا .
فيقول : يا أهل الجنة إني لو لم أرْضَ عنكم لم أُسْكِنكم جَنّتي ، هذا يوم المزيد فاسْألُوني .
فيَجتَمِعون على كلمة واحدة : أرِنا وَجهك نَنظُر إليه ، فيَكشِف لهم الرّب جلّ جلاله الْحُجُب ويَتَجَلّى لهم فيَغشَاهم مِن نُوره ما لَولا أن الله تعالى قَضى أن لا يَحْتَرِقوا لاحْتَرَقوا .
ولا يَبقى في ذلك المجلس أحدٌ إلاّ حَاضَرَه ربّه تعالى مُحاَضرة ، حتى أنه ليَقول : يا فلان أتذكُر يوم فعلتَ كذا وكذا ؟ يُذكّره ببعض غَدَراته في الدنيا ! فيقول : يا رب ، ألَمْ تَغفِر لي ؟ فيقول : بلى ، بِمَغفِرتي بَلَغت مَنْزِلتك هذه . فيَا لذّة الأسماع بِتلك المحاضَرة .
ويا قُرّة عيون الأبرار بالنّظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة .
ويا ذلّة الراجعين بالصفقة الخاسرة : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) .
فَحَيّ على جَنّات عَدن فإنها ... منازلك الأُولى وفيها الْمُخَيّمُ
ولكِنّنا سَبْي العدوّ ، فهل ترى ... نَعود إلى أوطاننا ونُسلّمُ
تحقيق الإيمان : بالتسليم لله عزّ وَجَلّ ولرسوله صلى الله عليه وسلم
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه : آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله ، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية : فيجب أن يُفهَم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مُراده مِن غير غُلوّ ولا تقصير ، فلا يحمّل كلامه ما لا يحتمله ، ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان ، فكم حَصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يَعلمه إلاّ الله ، بل سُوء الفَهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام ، وهو أصل كل خطأ في الفروع والأصول ، ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد . والله المستعان . اهـ .
قال الفضيل بن عياض وهو يحكي عن ابنِه عليّ : كانت لنا شاة بالكوفة ، أكَلَتْ شيئا يسيرا مِن عَلَف أمير ، فما شَرِب لها لَبنًا بعد .
(سِيَر أعلام النبلاء)
قال ابن القيم :
مَن آمَن بالرّسل وأطاعهم عاداه أعداؤهم وآذوه ، فابْتُلي بما يُؤلمه .
وإن لم يؤمن بهم ولم يُطعهم عُوقب في الدنيا والآخرة ، فحصَل له ما يُؤلمه ، وكان هذا المؤلِم له أعظم ألَمًا وأدوم مِن ألَم اتباعهم .
فلا بُدّ مِن حصول الألم لكل نفس آمنت أو رَغِبت عن الإيمان ، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء ، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة ، والمُعْرِض عن الإيمان تحصل له اللذة ابتداء ، ثم يصير إلى الألم الدائم ...
فلا يظن أحد أنه يَخلُص مِن الألم البتّة .
وإنما يَتفاوت أهل الآلام في العقول ؛ فأعقلهم مَن بَاعَ ألمًا مستمرا عظيما بألَمٍ منقطع يسير ، وأشقاهم مَن باعَ الألَم المنقطع اليسير بالألم العظيم المستمر .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قاتل أحدكم أخاه ، فلا يلطمن الوَجه . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : إذا ضَرَب أحدكم ...
قال النووي : وأما الضرب في الوَجه ، فمَنهيّ عنه في كل الحيوان المحترم ، مِن الآدمي والحمير والخيل والإبل والبغال والغنم وغيرها ، لكنه في الآدمي أشدّ ، لأنه مَجْمَع المَحاسِن ، مع أنه لطيف ، لأنه يظهر فيه أثر الضرب ، وربما شانَه ، وربما آذى بعض الحواس . وأما الوَسْم في الوَجه فمنهيّ عنه بالإجماع للحديث ولما ذكرناه . اهـ .