|
|
المنتدى :
قسـم السنـة النبويـة
هل المتابعات في الصحيحين كلها صحيحة أم ليست على شرط الشيخين ؟
بتاريخ : 03-06-2014 الساعة : 12:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ هل المتابعات التي في الصحيحين تأخذ حكم أحاديث الصحيحين من حيث الشرط ؟
أي هل كلها صحيحة أم ليست على شرط الشيخين فينظر في كل متابعة على حدة ؟
وإن كان الجواب بأنها كلها صحيحة على شرط الشيخين فكيف نرد على من يقول بالقول الثاني ؟
وجزيتم خير الجزاء

الجواب :
وجزاك الله خيرا .
المتابعات التي في الصحيحين لا تأخذ حُكم أحاديث الصحيحين ؛ لأن البخاري ومُسْلِمًا اعْتَنَيَا بِالأصول دون المتابعات والشواهد ، والمتابعات إنما تُورَد غالبا لِبيان لفظ أو تصريح بالسماع أو نحو ذلك مِن الفوائد التي لا يكون عليها الاعتماد في الرواية .
ووجودها في الصحيح يُعطيها قوّة ، وإن كانت ليست على شرط الصحيح .
وقد نصّ الإمام مسلم في مقدمة الصحيح على ذلك ، فقال : فَأَمَّا الْقِسْمُ الأَوَّلُ فَإِنَّا نَتَوَخَّى أَنْ نُقَدِّمَ الأَخْبَارَ الَّتِى هِىَ أَسْلَمُ مِنَ الْعُيُوبِ مِنْ غَيْرِهَا ، وَأَنْقَى مِنْ أَنْ يَكُونَ نَاقِلُوهَا أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ فِى الْحَدِيثِ وَإِتْقَانٍ لِمَا نَقَلُوا ، لَمْ يُوجَدْ فِى رِوَايَتِهِمِ اخْتِلاَفٌ شَدِيدٌ ، وَلاَ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ ...
فَإِذَا نَحْنُ تَقَصَّيْنَا أَخْبَارَ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ النَّاسِ أَتْبَعْنَاهَا أَخْبَارًا يَقَعُ فِى أَسَانِيدِهَا بَعْضُ مَنْ لَيْسَ بِالْمَوْصُوفِ بِالْحِفْظِ وَالإِتْقَانِ كَالصِّنْفِ الْمُقَدَّمِ قَبْلَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِيمَا وَصَفْنَا دُونَهُمْ فَإِنَّ اسْمَ السِّتْرِ وَالصِّدْقِ وَتَعَاطِى الْعِلْمِ يَشْمَلُهُمْ كَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِى زِيَادٍ وَلَيْثِ بْنِ أَبِى سُلَيْمٍ وَأَضْرَابِهِمْ مِنْ حُمَّالِ الآثَارِ وَنُقَّالِ الأَخْبَارِ .
قال ابن الصلاح : اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِي بَابِ الْمُتَابَعَةِ وَالِاسْتِشْهَادِ رِوَايَةُ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَحْدَهُ ، بَلْ يَكُونُ مَعْدُودًا فِي الضُّعَفَاءِ ، وَفِي كِتَابَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الضُّعَفَاءِ ذِكْرَاهُمْ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ . اهـ .
وقال الإمام النووي في شرحه لمقدمة صحيح مسلم : اعْلَم أنه يدخل فى المتابعات والاستشهاد رواية بعض الضعفاء ، ولا يصلح لذلك كل ضعيف ، وإنما يفعلون هذا لِكَون التابع لا اعتماد عليه ، وإنما الاعتماد على مَن قَبْله .
وقال أيضا : عاب عائبون مُسْلِمًا بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء والمتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية الذين ليسوا مِن شرط الصحيح ، ولا عيب عليه في ذلك ، بل جوابه مِن أوجه ، ذكرها الشيخ الامام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله :
أحدها أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده ...
السبب الثاني : أن يكون ذلك واقعا في المتابعات والشواهد لا في الأصول ، وذلك بأن يَذكر الحديث أولا باسناد نظيف رجاله ثقات ويجعله أصلا ثم يُتبعه باسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وَجه التأكيد بالمتابعة ، أو لزيادة فيه تَنْبِيه على فائدة فيما قَدّمه .
وقال أيضا : وقد تقرر عندهم أن المتابعات يُحْتَمَل فيها ما فيه نوع ضعف ، لِكونها لا عتماد عليها ، وإنما هي لمجرد الاستئناس .
وقال : وقد سَبَق مَرّات أن مُسْلِمًا يَذْكر في المتابعات مَن هو دون شرط الصحيح . اهـ .
وقال الحافظ العراقي عن حديث في إسناده " شَرِيك " : وَشَرِيكٌ هَذَا هُوَ النَّخَعِيّ ، تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ ، وَعَلَّقَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ . اهـ .
وأحاديث الصحيحين قد تلقّتها الأمّة بالقبول ، وأجْمَع المسلمون على ذلك ، بل وغيرها من الأحاديث الصحيحة التي تلقّاها العلماء بالقبول .
قال الحافظ أبي نصر الوايلي السجزي : أجمع أهل العلم - الفقهاء وغيرهم - على أن رجلا لو حَلف بالطلاق : أن جميع ما في كتاب البخاري مما رُوي عن النبي صلى الله عليه و سلم قد صَحّ عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لا شك فيه ؛ أنه لا يَحْنَث والمرأة بِحالِها في حبالته .
وقال أبو عبد الله الْحُمَيدي في كتابه الجمع بين الصحيحين : لم نَجد مِن الأئمة الماضين - رضي الله عنهم - أجمعين مَن أفصح لنا في جميع ما جَمَعه بِالصِّحة إلاَّ هذين الإمامين . (يعني : البخاري ومُسلما)
وقال ابن عبد البر عن حديث أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله إلى أهل اليمن في السنن والفرائض والديات ألاّ يَمَسّ القرآن إلاّ طاهر : كتاب عمرو بن حَزم هذا قد تَلَقّاه العلماء بالقبول والعمل ، وهو عندهم أشهر وأظهر مِن الإسناد الواحد الْمُتَّصِل .
وقال في حديث آخر : إجماع العلماء على القَول به تَصحيح له . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ عَلَى أَنَّ " خَبَرَ الْوَاحِدِ " إذَا تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالْقَبُولِ تَصْدِيقًا لَهُ أَوْ عَمَلا بِهِ أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ .
وقال في أقسام الْخَبَر :
وَمِنْهُ مَا تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَأَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ أَوْ اسْتَنَدُوا إلَيْهِ فِي الْعَمَلِ ، لأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاطِلا لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ ، لامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْخَطَأ .
وقال في موضع آخر : وَقَوْلُهُ : " إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" هُوَ مِمَّا تَلَقَّاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ ، وَلَيْسَ هُوَ فِي أَصْلِهِ مُتَوَاتِرًا ؛ بَلْ هُوَ مِنْ غَرَائِبِ الصَّحِيحِ ، لَكِنْ لَمَّا تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ صَارَ مَقْطُوعًا بِصِحَّتِهِ . وَفِي السُّنَنِ أَحَادِيثُ تَلَقَّوْهَا بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا وَصِيَّةَ لِوَارِثِ " ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالْقَبُولِ ، وَالْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ ، وَهُوَ فِي السُّنَنِ لَيْسَ فِي الصَّحِيحِ . اهـ .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية
|
|
|
|
|