فَهْم الصحابيات وُجوب تغطية الوَجه عن الرجال الأجانب 2
أوْرَد الشيخ الشنقيطي في " أضواء البيان " قول عائشة رضي الله عنها : يَرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل لَمّا أنْزَل الله : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شققن مُرُوطهنّ فَاخْتَمَرْن بها . رواه البخاري .
ثم قال الشيخ :
وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيات المذكورات فيه فَهِمْنَ أن معنى قوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) ، يقتضي سَتْر وُجُوهِهن ، وأنهن شَقَقن أُزُرهنّ فَاخْتَمَرن ، أي : سَتَرن وُجُوههن بها امتثالا لأمْر الله .. وهو دليل واضح على أن فَهْمَهن لُزوم سَتر الوُجوه مِن قوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) مِن تصديقهن بِكتاب الله وإيمانهن بِتَنْزِيله ، وهو صريح في أن احتجاب النساء عن الرجال وسَترهن وجوههن تصديق بِكتاب الله وإيمان بِتَنْزِيله ، كما ترى .
فالعجب كل العجب ممن يَدّعي - مِن المنتسبين للعِلم - أنه لم يَرد في الكتاب ولا السّنة ما يدل على سَتر المرأة وجهها عن الأجانب ، مع أن الصحابيات فَعَلْنَ ذلك مُمْتَثِلات أمر الله في كتابه إيمانا بِتَنْزِيله ، ومعنى هذا ثابت في الصحيح ، كما تقدم عن البخاري .
وهذا مِن أعظم الأدلة وأصرحها في لُزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين ، كما ترى .
الشرع لا يأمر بِتغطية شَعْر المرأة ثم يأمرها بِكشف وجهها !
قال الشيخ الشنقيطي في " أضواء البيان " :
الْمُنْصِف يَعلم أنه يَبعُد كلّ البُعْد أن يأذن الشارع للنساء في الكَشف عن الوَجه أمام الرجال الأجانب ، مع أن الوَجْه هو أصل الجمال ، والنظر إليه مِن الشّابّة الجميلة هو أعظم مُثير للغريزة البشرية ، ودَاعٍ إلى الفتنة ، والوقوع فيما لا ينبغي .
الأصل في لباس المرأة أن تضعه على رأسها ، وتُسْدِله على بدنها ، فلا يَظهر معه تحجيم لأي شيء من أعضائها ، ويكون سابِغا يُغطِّي قدميها .
ولذا لَمّا قال النبي ﷺ : مَن جرّ ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه . قالت أم سلمة : يا رسول الله ، فكيف تَصنع النساء بذيولهن ؟ قال : يُرخينه شِبرًا . قالت : إذا تنكشف أقدامهن ! قال : يُرْخِينه ذِراعًا ، لا يَزدن عليه . رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي . وصححه الألباني والأرنؤوط .
يجب على المرأة أن تلبس لِبَاسًا سَاتِرا فضفاضا ، لا يَصِف حَجْم الأعضاء ، ولا يَشِفّ عن لون البشرة .
🔸قال أسامة بن زيد رضي الله عنهما : كَسَاني رسول الله ﷺ قُبطيّة كثيفة كانت مما أهداها دِحْية الكَلْبي ، فَكَسَوتها امرأتي ، فقال لي رسول الله ﷺ : ما لَك لم تلبس القُبطِيّة ؟ قلت : يا رسول الله كَسَوتها امرأتي ، فقال لي رسول الله ﷺ : مُرْها فلتجعل تحتها غلالة ، فإني أخاف أن تَصِف حَجم عظامها . رواه الإمام أحمد والبيهقي والضِّياء في " الأحاديث المختارَة " . وروى أبو داود نَحوَه عن دِحْية الكَلْبي رضي الله عنه .
🔸وكان عُمر رضي الله عنه يقول : لا تُلْبِسوا نِساءكم القَبَاطِي ، فإنه إنْ لا يَشِفّ يَصِف . رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة .
قال الزمخشري : أَي إِن لم يُرَ مَا وَرَاءه فَإِنَّهُ يَصِف خَلْقهَا لِرِقّته .
🔹ولَمّا قَدِمَ المنذر بن الزبير مِن العراق أرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بِكِسوة مِن ثياب رِقاق عِتاق بعدما كَفّ بصرُها . قال : فلَمَستها بِيدها ، ثم قالت : أفّ ! رُدّوا عليه كِسوته . قال : فَشَقّ ذلك عليه ، وقال : يا أمّه إنه لا يَشِفّ . قالت : إنها إن لم تَشِفّ ، فإنها تَصِف ، فاشترى لها ثيابًا مَرويّة فقَبِلَتْها ، وقالت : مِثل هذا فَاكْسُني . رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى .
قال ابن عبد البر عن حديث " رُبّ كاسِية في الدّنيا عَارِيَة في الآخِرَة" : وفي هذا الحديث دليل على أن لِباس الخفيف الذي يَصِف ولا يَستر مِن الثياب لا يجوز للنساء ، وكذلك ما وَصَف العَورة ولم يسترها مِن الرِّجال .
وأما قوله : " عَارِيَة يوم القيامة " فيُحتَمل أن يكون أراد ما يُحشَر الناس عُراة يوم القيامة ، ويُحتَمل أن يكون عارِيَة مِن الحسنات .
مِن طريف ما يُروى أن فارس الخوري كان يتردد بعض الأحيان على الشيخ جمال الدين القاسمي والشيخ عبدالرزاق البيطار وغيرهما ، فكان بعض الجامدين ينعتونه بالوهابي بسبب صحبته لهؤلاء المصلحين ، مع أنه نصراني !!