|
|
المنتدى :
قسـم السنـة النبويـة
كيف نجمع بين حديث (لا ظِل إلا ظِله) وبين ظِل الأعمال على صاحبها يوم القيامة ؟
بتاريخ : 11-11-2013 الساعة : 07:30 PM
كلنا نعلم عن حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ورجل قلبه معلّق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه" .
ومن خلال هذا الحديث يبدو واضحا أن يوم القيامة لن يكون هناك ظل غير ظل الله عز وجل ، ولكن قرأت مؤخرا حديثا آخرا للرسول عليه الصلاة والسلام يقول فيه " اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة"
وقال العلماء في تفسير معنى الغمامة أو الغياية بأنها كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه من سحابة وغبرة وغيرهما. فهل هذا يعني أن يوم القيامة سيكون هناك ظل آخر غير ظل الله عز وجل؟ وهل في هذا تناقض بين الحديثين ؟

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
أولاً : لا يُمكن أن يقع التناقض بين نصوص الوحيين ، كما لا يُمكن أن يقع التناقض ولا التعارض الحقيقي بين أقوال النبي صلى الله عليه وسلم .
ولذلك كان ابن خزيمة رحمه الله يقول : لا أعرف حديثين صحيحين متضادين ، فمن كان عنده فليأتني لأؤلف بينهما .
ثانيا : جاءت النصوص في الخصال التي يُظَلّ صاحبها غير السبع المذكورة في حديث أبي هريرة المتفق عليه " سبعة يُظلّهم الله في ظله " ، ولذلك يَرى العلماء أن العدد في حديث أبي هريرة لا مفهوم له .
قال ابن رجب : وهذا الحَدِيْث يدل عَلَى أن هؤلاء السبعة يظلهم الله فِي ظله ، ولا يدل عَلَى الحصر ، ولا عَلَى أن غيرهم لا يحصل لَهُ ذَلِكَ . اهـ .
وقال ابن حجر : ثُمَّ تَتَبَّعْتُ بَعْدَ ذَلِكَ الأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي مِثْل ذَلِكَ فَزَادَتْ عَلَى عَشْر خِصَال ، وَقَدْ اِنْتَقَيْت مِنْهَا سَبْعَة وَرَدَتْ بِأَسَانِيدَ جِيَاد . اهـ .
ومن تلك الخصال :
قوله عليه الصلاة والسلام : مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ . رواه مسلم .
وقوله عليه الصلاة والسلام : من نفّس عن غريمه أو مَحَا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة . رواه الإمام أحمد .
وقوله عليه الصلاة والسلام : من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة . رواه الإمام أحمد .
وقوله عليه الصلاة والسلام : كل امرئ في ظِلّ صَدقته حتى يُفصل بين الناس . رواه الإمام أحمد .
وقوله عليه الصلاة والسلام : إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَالِي ؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي . رواه مسلم .
ثالثا : قال ابن رجب : المراد بِظِلّ الله : ظِلّ عَرْشه . اهـ .
وهذا قد دلّ عليه الدليل ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : المتحابّون في الله على منابر من نور في ظِل العَرش يوم لا ظِل إلاَّ ظله . رواه الإمام أحمد .
وإذا قلنا : إن العدد لا مفهوم له ، فيُقال فيما يتعلق بالظِّل مثل ذلك .
أو يُقال : إن كل عمل يُظَلّ صاحبه يوم القيامة فإن ذلك العمل راجِع إلى الله ، فيرجع الظِّل إلى معنى واحد .
وهذا كما في قوله عليه الصلاة والسلام : تعلموا سورة البقرة وآل عمران ، فإنهما الزهراوان يُظِلاّن صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فِرْقَان من طير صواف . رواه الإمام أحمد بأطول مما هُنا ، وهو حديث صحيح .
فإن البقرة وآل عمران تُظِلاّن صاحبهما ، وكلام الله مِنه بدأ وإليه يَعود .
وإما أن يُقال : إن ظلّ تلك الأشياء تابع لِظِلّ العَرْش .
قال القرطبي في المفهم : فأما ظِلّ الصدقة فَمِن ظِلّ العرش . اهـ .
وإما أن يُقال : " ظل العرش أعظم الظلال وأشرفها ، فيخص الله به من يشاء من صالح عباده " ؛ فلهذا يُذكر أكثر ، كما في في الأحاديث السابقة .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد
|
|
|
|
|